الأحد، 26 فبراير 2017

الأنْظِمَةُ الإقْتِصَاديةُ بَيْنَ إنْيَّةِ الفَرْدِ وشِعَاراتِ الحُكُومَةِ العَادِلَةِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
مِن الضروري جداً أن نُشعرَ أنفسنَا بأحقيةِ النظامِ الإسلامي على مرِ التأريخِ, وبالمقابلِ أن نتمعنَ بالأنظمةِ غيرِ الإسلاميةِ, أسواءُ كانتْ هذهِ الأنظمةُ أنظمةً متكاملةً مِن حيثُ إعتنائِهَا بالجانبِ الفكري والإقتصادي والسياسي, أو فقط تلحظُ الجانبَ الإقتصادي على مستوى الفردِ أو المجتمعِ ...

وإنَّ معرفةَ الفرقِ بينَ النظامينِ والإقتناعِ بأحقيةِ وكمالِ وشموليةِ النظامِ الإسلامي, سَيُولدُ شعوراً بأحقيةِ قيادةِ السماءِ وقدرتِهَا على أن تصلَ بالإنسانِ الى اليومِ الموعودِ, بخلافِ الأنظمةِ الأخرى التي تعتاشُ آحادُهَا على أطلالِ مَا تبقى مِن الأخرياتِ, بل وتُشكلُ هذهِ المعرفةُ دعامةً أساسيةً في الدعوةِ الى الحقِ المطلقِ المتمثلِ بالدينِ الإسلامي الحنيفِ, فدعوةُ الى الإسلامِ لَم تنتهِ بالمجيءِ بالمعاجزِ الخارقةِ لنواميسِ الطبيعةِ, ولا بالنقاشِ في صحةِ المتونِ ومؤدياتِهَا, بل إن النقاشَ مفتوحٌ على مصراعيهِ, والدعوةُ قائمةً الى أعتابِ تحققِ اليومِ الموعودِ, في أيِّ مظنةٍ ومسألةٍ مِن المنظومةِ الإسلاميةِ كافة ...

ولا أعتقدُ أنَّ أحدَنَا لَم يعلمْ مقدارَ الإنحارفَ الفكري التي أمنيتْ بهِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ عموماً, بل أنَّ ما تتلقاهُ الأمةُ الإسلاميةُ مِن طعناتٍ فكريةٍ وروحيةٍ ما عادتْ تقوى على تحملِهَا الى فتراتٍ طويلةٍ, ومَن عاشَ معنَا في فترةٍ بدايةِ السبعينياتِ مِن القرنِ الماضي, تجلتْ أمامَ عينيهِ وبوضوحِ مخاطرُ المدِ الفكري والروحي المنحرفِ, بحيثُ أن الإنحرافُ مِن الأدواءِ التي تبررُهَا طبيعةُ الإنسانِ الخالدةِ الى الكسلِ عن البحثِ والسؤالِ وإستقصاءِ الحقائقِ !!!

#لذا :
فمِن الواجبِ علينَا أن لا نتركَ ثغرةً مِن ثغراتِ الحصنِ الذي يلي إبليسَ ومردتهِ دونَ أن نرعيهَا حراسةً ومراقبةً, حتى نحافظَ على مَا بقي مِن هذهِ الأمةِ المرحومةِ تحقيقاً للحفاظِ على العددِ الكافي لقيامِ دولةِ العدلِ الإلهيةِ الموعودةِ, والتي تسعى الأنظمةُ جميعاً الى الوصولِ إليهَا, بحسبِ مَا ترفعهُ مِن شعاراتٍ تخدعُ بهَا الشعوبَ المغلوبَ على أمرِهَا, بينمَا لا تتعرضُ هذهِ الشعاراتُ الى النيلِ مِن إمتيازاتِ الحاكمينَ بإسمِهَا والمنظرينَ لهَا ...

ومِن هنَا يجبُ أن نأخذَ على عاتقِنَا هذهِ المهَامَ التوعويةَ التي على أساسِهَا يُمكن أن نحققَ ثمرةً مِن ثمارِ وجودِنَا, ولا يقتصرُ همَنَا على النشرِ والبثِ والنقلِ, بل أن يتعدَ الى التنقيبِ والتحقيقِ والتدقيقِ في كلِّ مَا مِن شأنهِ أن يكونَ مناسباً مع الحملةِ التوعويةِ الرائدةِ التي ترعَهَا جهتنَا الحقةِ المؤمنينَ بهَا وبأحقيتِهَا ...

بل, لابدَ أن نقدمَ للناسِ مسلمينَ وغيرِ مسلمينَ نموذجاً متكاملاً عن قدرتِنَا على القيادةِ والريادةِ وأخذِ معصمِ الناسِ الى برِ الأمانِ, وليسَ نحنُ عبارةً عن مُتَكِلِينَ ومستهلكينَ ومقتاتينَ على موائدِ النظرياتِ الغريبةِ والأجنبيةِ كَمَا هو حالُنَا في باقي الأشياءِ كالصناعيةِ والغذائيةِ, بل للكثيرِ مِن قياداتِنَا مِن الفكرِ مَا يؤهلُهُم الى تصدرِ المشهدِ السياسي في أقربِ فرصةٍ سانحةٍ لهُم, وكمَا برعوا في جانبِ التنظيرِ, فهُم أبرعُ في جانبِ التطبيقِ والممارسةِ الفعليةِ ...

#ومِن_هنَا :
صارَ مِن اللازمِ علينَا ككُتابٍ ومثقفينَ أن نُثري الساحةَ العلميةَ بأنواعِ النقاشاتِ, والتي تهدفُ الى الإرتقاءِ بالقراءِ والمتابعينَ الى عتبةِ القدرةِ على الفهمِ والردِ والنقاشِ, بل والتنظيرِ أيضاً, فالتخلفُ كَمَا خيمَ على فهمِ وأفكارِ الآخرينَ والتعرفِ على نظرياتِهِم, فكذلكَ خيمَ نفسُ الجهلِ على فهمِ عقيدةِ وفكرِ الفردِ وحقيقةِ إنتمائهِ ...

فبالحقيقةِ يُمكن أن نُرجعَ الكثيرَ مِن التياراتِ المنحرفةِ الإلحاديةِ والتشكيكيةِ ليسَ فقط الى مَا يدخلُ على أمتِنَا مِن فلسفةِ الخارجِ, التي تعتني بالجانبِ المادي كمَا هو الرأسماليةِ الغربيةِ, أو التي تَنبني على إثباتِ مبدأ التناقضِ كمَا هي في التياراتِ الإشتراكيةِ والشيوعيةِ, بل الحقيقةُ أنَّ نفسَ المسلمِ قد فقدَ هويتهُ مِن خلالِ عدمِ فهمهِ مبادئَ دينهِ وفكرهِ وعقيدتهِ, فصارتْ مبادئُ الشكِ والصراعِ والتناقضِ تنبعُ مِن تأملاتهِ وتناقضاتهِ النفسيةِ والفكريةِ ...

وبالتأكيدِ, بعدَ أن يئسنَا مِن صحوةِ رجالِ الدينِ, والرموزِ القياديةِ المذهبيةِ في هذهِ الأمةِ, سوفَ ينتقلُ التكليفُ ويتأكدُ ويشتدُ على المثقفينَ والكُتابِ والمحللينَ, لأنَّ وظيفتي الوعظِ والإرشادِ لَم تُقْتَصَرْ على أولئكَ الإتكاليينَ المتسلطينَ المنتفعيينَ مِن الناسِ, بل أنَّ التكليفَ يشملُ بطبيعتهِ الشموليةِ القادرينَ على الإتيانِ بهذهِ الوظيفةِ الشرعيةِ الإخلاقيةِ الإنسانيةِ الإجتماعيةِ ...

ولا ننسَ أبداً أنَّ نفسَ الزعاماتِ الدينيةِ والمذهبيةِ, هُم جزءاً لا يتجزءُ مِن المنظوماتِ المخابراتيةِ العالميةِ, والتي تعملُ ليلاً ونهاراً على عدمِ تركِ الفراغِ يُمكن أن يَشغلهُ أولئكَ المخلصونَ مِن الزعاماتِ والصِفوةُ مِن المُخْلَصِنَ الذي لا سُلطانَ عليهِم إلا سلطانُ اللهِ تعالى عزَّ وجلَّ .
فبعدَ أن تجسدتْ في أرواحِ هؤلاءِ كلَّ معاني التحررِ إلا مِن السماءِ, ورأوا أن مَا عدا العبوديةِ للهِ تعالى أتفهُ مِن التفاهةِ نفسِهَا, لَم يكونوا أهدافاً ولا لقماً سائغةً بيدِ أولئكَ المنتفعينَ والإستكبارينَ, بل أنَّ وظيفتهُم العمليةَ تحتمُ عليهِم نصرةَ المظلومِ والأخذَ بيدهِ الى برِ الأمانِ, لذا عملتْ دوائرُ الإستكبارِ العالميةِ على زرعِ مَن لا يدعُ مجالاً وفراغاً لتصدي هؤلاءِ الصِفوةِ, حيثُ وفروا الإمكانياتِ كافةً لتسلطِ بعضِ المُتلبسينَ بزي رجالِ الدينِ, ونصبتْ إعلامياً منهُم زعماءاً وأئمةً للمذاهبِ جميعاً, فلم يبقَ لهؤلاءِ المخلصينَ طريقاً الى ممارسةِ أدوارِهِم التوعويةِ في المُجتمعِ, بل سعتْ تلكَ الدوائرُ والمؤسساتُ الى أن تُخرجهُم الى العالمِ الخارجي بمنظرِ التخلفِ والجهلِ والإنحرافِ, فجعلتْ مِن أولئكَ الصفوةِ منبوذينَ في منظورِ العامةِ مِن الناسِ !!!

#لذا :
مِن الواجبِ علينَا كمثقفينَ وناشطينَ وعاملينَ ومفكريينَ ومحللينَ وكُتابٍ أن نقومَ بهذا الدورِ الريادي والإستثنائي للوصولِ الى المجتمعِ, بحيثُ نقتنصُ أولئكَ المنحرفينَ والضالينَ بعدَ أن تساوتْ بأعيُنِهِم الزعاماتِ الدينيةِ كلِّهَا, صالِحِهَا وطالِحِهَا, ونبينُ لهُم أنَّ ما وصلُوا إليهِ نتيجةً للتطبيقِ السيءِ لأولئكَ المنحرفينَ مِن الزعاماتِ الدينيةِ والمذهبيةِ, والنتيجةُ التي وصلوا إليهَا هي التي كانتْ مرجوةً مِن تصدي هؤلاءِ القادةِ المنحرفينَ !!!

وهنا يجبُ أن لا يقتصرَ عملنَا على النتِ وساحاتِ التواصلِ الإجتماعي, بل أنَّ نسبةَ الخطرِ تقاربُ العدمَ, ونسبةَ الفائدةِ مرتفعةٍ جداً, وهاتانِ النسبتانِ تحتمانِ علينَا أن يَكونَ حراكُنَا ميدانياً في الخارجِ, ولو مَا لا يقلُ عن زيارةٍ واحدةٍ يومياً, حيثُ نطرحُ عليهِم أفكارَ جهتِنَا, وأطروحاتِ مَرجَعِنَا, وأنَّ لا حلَّ مرجو أبداً إلا بإصطفافِ خلفهُ والسيرِ بركبهِ ...

ولا يتوهمُ أحدُنَا أنَّ العملَ على مواقعِ التواصلِ الإجتماعي هو تحقيقٌ لتمامِ ملاكِ الأمرِ بالمعروفِ النهي عن المنكرِ, أو تمامِ الإرادةِ مِن تشريعِ وجوبِ التبشيرِ والتنذيرِ, أبداً, فالتواصلُ الحقيقي الواقعي هو الأهُم في ترسيخِ هذهِ المفاهيمِ والتأكيدِ عليهَا, ليسَ بالضرورةِ أن يكونَ الطرحُ في مسائلِ الخلافِ, بعدَ أن أثبتتْ الجهةُ أنَّهَا الرائدةُ في مسائلِ الوئآم وردمِ الهوةِ بينَ نسيجِ المجتمعِ الواحدِ ...

ولأضربْ لكم مثلاً رأيتهُ وعشتهُ بنفسي, أنَّ الكثيرَ مِن الذينَ تركوا طريقَ الحقِ والهدايةِ واتبعوا طرقَ الضلالةِ والإنحرافِ, لَم تُطرحْ عليهِم مسائلَ الخلافِ أبداً, لإعتقادِ الطرفِ المقابلِ الداعي الى الضلالةِ أنَّهَا غيرِ قابلةً للتشكيكِ والنقاشِ عندَ الناسِ, لذا أتخذوا طريقاً ملتوياً ومنحرفاً, لا أستبعدُ أنَّ مَن عبدهُ في أذهانِ هؤلاءِ هو الشيطانُ الرجيمُ نفسهُ !!!
فمثلاً عندمَا يعلمونَ أنَّ الناسَ لا يُؤمنونَ بالجزئيةِ والنتيجةِ, فيأتونَ الى إثباتِ الكبرى التي هي ثابتةً عندَ الطرفينِ على حدٍ سواءِ, وهنَا سيقتنعُ المقابلُ أنَّ النقاشَ ليسَ فيهِ محذورٌ, فيسلمُ وينخرطُ بالإنحرافِ ويمارسُ كلَّ مسائلهِ مقتنعاً أنَّ المقابلَ أقامَ الدليلَ والبرهانَ !!!

فإثباتُ حكومةِ المهديينَ مثلاً, أو وقوعِ المتشابهِ في القرانِ الكريمِ, أو وجودِ الذريةِ للإمامِ المهدي (عجلَ اللهُ تعالى فرجهُ الشريفَ), أو حرمةِ الإجتهادِ مقابلِ النصِ والعملِ بالرأي والإستحسانِ, كلِّهَا مجتمعةً لا تصبحُ دليلاً ولا جزءاً لدليلٍ على جوازِ أو إمكانيةِ جوازِ إتباعِ المنحرفينَ مدعي السفارةِ والنيابةِ والبابيةِ مثلاً, لأنَّ هذهِ الكبرياتِ قد اتفقَ على وقوعِهَا الجانبانِ معاً !!!

فكذلكَ الحالُ معنَا, فإذا كانتْ هذهِ الطريقةُ ناجعةً مع الآخرينَ, فلا بأسَ أن نستعملهَا في سبيلِ تقريبِ وجهاتِ النظرِ والرؤى, وليسَ للدعوةِ للإلتحاقِ لجهةٍ معينةٍ, فالواجبُ علينَا أن نستنقذَ الناسَ أولاً وفي البدايةِ, وليسَ الواجبُ علينَا أن ندعوهُم للإلتحاقِ, وبالخصصِ أذا كانتْ هذهِ الدعوةُ منفرةً لهُم, وبهذهِ الطريقةِ سنكونُ زيناً لجهتِنَا ودعاةً صامتينً لهَا ...

#فكذلكَ :
هذهِ الأبحاثُ, فليسَ مِن الأمانةِ العلميةِ أن تبقَ حبيسةً في عالمِ التواصلِ الإجتماعي, أو على مواقعِ الإنترنت, بل لابدَ لهَا مِن أن تدخلَ جميعَ البيوتِ والأزقةِ والشوارعِ, بل لا بدَ مِن إسترجاعِ الهمةِ الحقيقيةِ التي إبتدءنَا بهَا عملنَا أولَ مرةٍ, حيثُ كانتْ القلوبُ مؤتلفةً, والأرواحُ مجتمعةً, ولم يعكرْ صفوهَا واجتماعَهَا إلا أنفاسُ الحاقدينَ والمتخاذلينَ والمندسينَ, الذينَ ملؤوا علينَا أقطارَ الأرضِ وآفاقَ السماءِ, بل لابدَ مِن التنافسِ للحصولِ على المرتبةِ الأولى في تسجيلِ عددِ الزياراتِ واللقائاتِ التي يُمكن أن نصلَ خلالَهَا على العالمِ الواقعي, ونرى نتيجةَ عَمَلِنَا طوالَ هذهِ السنينَ في النصرةِ الإلكترونيةِ, هل أثرنَا وغيرنَا وأثمرنَا في الواقعِ الخارجي, أليسَ مِن الأولى أن نعيدَ صياغةَ العملِ والخطوطِ العامةِ لهُ في حالِ أن رأينَا أنا لَم نغيرْ ولم نؤثرْ ...

 فالسعي المنعزلُ والمنفصلُ عن النتائجِ والثمارِ لا تكونُ لهُ قيمةٌ فعليةٌ أبداً, ما لَم نرَ ثمارهُ في الخارجِ أو في أنفسِنَا, وأنتُم ترونَ مقدارَ التشاحنِ والتباغضِ والتنافرِ والتحاسدِ والتجاذبِ بينَ صفوفِ العاملينَ والمرابطينَ, بحيثُ لَم تؤثرْ النصرةُ فيهِم فضلاً عن غيرهِم, فإذا كانتْ الثمارُ بعيدةً عن التأثيرِ في أنفسِنَا فلا نبحثهَا في الآخرينَ وفي خارجِ أنفسنَا, أليستْ هذهِ المعادلةُ الحقيقيةُ التي يجبُ أن نقيسَ عليهَا أفعالنَا وتصرفاتنَا وأخلاقياتنَا ؟!!! ولكن ماذا نقولُ غيرُ إنَّا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ, ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العلي العظيمِ ...

نحنُ نريدُ أن نؤسسَ لجهتِنَا الحقةِ ونوطدَ لهَا موقعَ القدمِ في نفوسِ المجتمعِ -بالرغمِ مِن ما تحقنهُ تلكَ المؤسساتُ مِن أفكارٍ وإنحرافاتٍ وأباطيلَ-, لأننَا إذا كنا نعتقدَ بأنَّ لنَا الشرفُ في خدمةِ الإسلامِ الحنيفِ, فلابدَ أن نختارَ الطرقَ الناجعةِ والمؤثرةِ في نفوسِ الآخرينَ, لأنَّ مقاومةَ العولمةِ والمؤسساتِ الإعلاميةِ والمؤثرةِ في تفكيرِ الناسِ بشكلٍ مباشرٍ, لا مجالَ لنجاحهِ أبداً, بل لابدَ لنَا مِن أن نختارَ طريقاً أخراً لتوطيدِ وتعبيدِ الطريقِ للجهةِ الحقةِ,
تعلمونَ لمَاذا ؟؟؟؟
لأنَّ المقابلَ إستخدمَ الكثيرَ مِن الدراساتِ النفسيةِ والإجتماعيةِ ولعدةِ قرونٍ طوالٍ لإختيارِ طريقتهِ المؤثرةِ في العالَمِ جميعاً, وليسَ على أساسِ مجتمعٍ محدودٍ ومعينٍ, وهذهِ الدراساتُ صحيحةٌ بنسبةِ مائةٍ في المائةِ, لذا فإنَّ إستخدامِ نتآئجِهَا لإغراضٍ شيطانيةٍ, ليسَ بمقدورِ مؤسستنَا الدينيةِ والشرعيةِ والإنسانيةِ مُجابهتهُ أبداً, وهذا مَا يُأكدهُ الخارجُ والواقعُ, فلَم نرَ تعثراً للإتجاهِ الإنحرافي على طولِ الخطِ, بل رأينَا التعثرَ ملازماً هذا الجانبُ الذي نعتقدهُ دوماً, لأنَّ المؤسسةَ التي ننتمي إليهَا ونعتقدُ فيهَا تريدُ تربيةَ الإنسانِ, والسمو بنفسهِ عالياً, بينمَا تُريدُ تلكَ المؤسسةُ أن تربيةَ الشهوانيةَ والحيوانيةَ لدا هذا الكائنِ !!!

#فمثلاً :
أنتُم تلاحظونَ النجاحاتِ التي سطرتهَا الأنظمةُ الرأسماليةُ مِن بدايةِ الخليقةِ والى اليومِ, وأنَّ أيَّ نظامٍ كانَ حليفهُ الفشلُ بمجردِ أن ينوي مقارعةَ تلكَ الأنظمةَ !!!
لأنَّ النظامُ الرأسمالي نظاماً قائماً على أساسِ طبيعةِ الإنسانِ وجموحهِ نحو الإستملاكِ الإستثراءِ وخدمةِ الذاتِ وتقديمِهَا على الآخرينَ, فالذاتُ بمنظورِ طبيعةِ الإنسانِ هي الأصلُ ومَا عداهَا هي مسائلٌ كماليةٌ تخدمُ نفسَ الذاتِ ...

وإنَّ هذا النظامُ هو أقدمُ نظامٍ على سطحِ الكرةِ الأرضيةِ, لأنَّهُ ظهرَ قبلَ ظهورِ القوانيينَ في الإستملاكِ والإستحواذِ والسيطرةِ, حيثُ قالَ تعالى في كتابهِ العزيزِ الحكيمِ : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } البقرة 213 ...

نعم, كانتْ الفطرةُ الإنسانيةُ هي التي تحكمُ هذا العالَم, وإنَّ قوانِنِهَا كانت كفيلةٌ للحفاظِ على النسيجِ الإجتماعي متراصاً ومترابطاً, ولكن بعدَ مَا تنامتْ الأفكارُ وظهرَ حبُ السيطرةِ والتسلطِ الإستملاكِ, مَا عادتْ الفطرةُ كافيةً للتشريعِ, لأنَّ الفطرةُ لهَا أن تحكمَ العوالمِ غيرِ المعقدةِ مِن ناحيةِ التفكيرِ, وهنَا جاءتْ أدوارُ الأنبياءِ في التشريعِ والتنصيصِ على بعضِ القوانينَ التي تُرجِعُ الناسَ الى مفهومِ الأمةِ الواحدةِ ...

إذاً فمَفهومُ الإستملاكِ والسيطرةِ والسطوةِ رأسُمالياَ مِنذُ الخليقةِ الأولى, لأنَّ طبيعةَ الإنسانِ تميلُ الى السيطرةِ والسطوةِ السلطةِ المُطلقةِ, ولا نظامَ في الكونِ يُمكن أن يُوفرَ هذهِ السلطةُ إلا النظامَ الرأسُمَالي, حيثُ يُكدُ هذا النظامُ على إمكانيةِ أيِّ فردٍ أن يَستملكَ ويستحوذَ على أيِّ شيءٍ يُمكنُ إستملاكهُ, وليسَ لأيِّ نظامٍ آخرٍ يَحرمهُ هذا الحقَ, وهذا ما عُرِفَ في النظامِ #بالحريةِ_الإقتصاديةِ ...

#إذن :
فإنَّ الحريةَ الإقتصاديةَ وحريةَ التملكِ هي الحريةُ التي ظهرتْ أولُ عمليةِ أفسادٍ على هذا الكوكبِ, وهي التي قسمتْ الناسَ الى سِماطينِ, سماطِ التابعينَ وآخرٍ متبوعينَ, أو الى طبقةٍ حاكمةٍ وآخرى محكومةٍ, ولا طبقةً تتخللُ هاتينِ الطبقتينِ, لأنَّ الإستحواذُ على الأراضي والأملاكِ, وإتساعِ رقعةِ السيطرةِ والسلطةِ الممارسةِ على الأملاكِ المُتناميةِ, تحتاجُ الى الكثيرِ مِن الطبقةِ الخادمةِ والتابعةِ والعاملةِ, ولنطلقُ عليهَا مُصطلحِ #المستضعفينَ !!!

وبالتأكيدِ أنَّ طبقةَ المُستضعفينَ هي الطبقةُ التي تزدادُ إتساعاً بمرورِ الأيامِ, وهذهِ الزيادةُ مطردةً مع إتساعِ الملكةِ الفرديةِ, بينمَا لا تسمحُ الطبقةُ أصحابِ الأملاكِ والمُتسلطينَ -ولنصطلحْ عليهِم #بالمترفينَ- بتنامي قوى خارجيةٍ أخرى تنافسَهُم على زيادِ رقعةِ الملكِ والحيازةِ, لذا فيبقى نظامُ العائلةِ الواحدةِ أو المقربينَ هو المحافظُ على ضيقِ دائرتهِ على طولِ الخطِ, حيثُ لا مجالَ لإفتراضِ إزديادِ دائرتِهِم بالمرةِ !!!

#بالتأكيدِ :
أنَّ هذهِ الفلسفةَ فلسفةٌ ليستْ بالصعبةِ ولا تحتاجُ الى مأونةٍ مطلقاً, لأنَّ ظهرَ حبِ التملكِ لا يحتاجُ الى مُسبباتٍ أو محفزاتٍ حتى تظهرَ بتصرفاتِ الفردِ, لأنَّ حبَ التسلطِ والإستملاكِ والإستحواذِ مِن طبيعةِ الإنسانِ, فبمجردِ أنَّ ينظرَ الى سعةِ الخارجِ, ستتبادرُ الى ذهنهِ قضيةُ إمتلاكهِ والإستحواذِ عليهِ !!!

لذا ففلسفةُ الرأسُماليةِ فلسفةً عاصرتْ الإنسانَ على طولِ فترةِ حياتهِ على هذا الكوكبِ, وسبقتْ ظهورَ المصلحينَ مِن بني البشرِ مِن الأنبياءِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), ونستطيعُ أن نوعزَ سببَ الخلافِ ونشوبِ الحروبِ بينَ الناسِ الى هذهِ الطبيعةِ الإنسانيةِ, بل وسببُ خلافِ الأنبياءِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) ومَن معهُم مِن جانبٍ وباقي العاملينَ بهذهِ الطبيعةِ مِن المترفينَ والمُستضعفينَ مِن جانبٍ آخرٍ, فلأنبياءُ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) أرادوا إنهاءَ الإستضعافَ في الأرضِ, وليسَ إنهاءَ طبيعةِ حبِ الإستملاكِ مِن فطرةِ الإنسانِ, أي أرادوا أنَّ لا تصلَ مرحلةَ الإستملاكِ الإستحواذِ الى الإنسانِ نفسهِ, لأنَّ الإنسانُ خُلِقَ حراً لا عبداً, ولَم يُخلقْ تحتَ تصرفِ الآخرينَ, بل إنَّ التسخيرَ شملَ مَا في السمواتِ والأرضِ دونَ الإنسانَ !!!

ولكنَّ هذا الإستثناءَ غيرُ ممكنٍ, ولا يُمكن أن تقبلهُ العقليةُ الرأسماليةُ أبداً, لأنَّ إتساعَ رقعةِ الإستملاكِ, وبأيدي المتمكننينَ مِنهُ, يحتاجُ الى جيشٍ جرارٍ مِن العبيدِ الممهدينَ والمعاونينَ على إدارةِ هذهِ الأملاكِ !!!

فبيقتْ فكرةُ العبوديةُ مُستحكمةً على عقولِ البشريةِ منذُ خلقِ البشرةِ والى هذهِ الساعةِ, وبعدَ هذا العمرِ المديدِ, لا يحتاجُ الإنسانُ الى التفلسفِ لإثباتِهَا للآخرينَ, بل يكفي وجودُهَا وبقاؤهَا على طولِ الخطِ المعاصرِ لوجودِ الإنسانِ, دليلاً على صحتِهَا, وعتيادِ الإنسانِ على هضمِهَا !!!

وبالمقابلِ إنَّ فلسفةَ تحررِ الإنسانِ, وإنهاءِ الرقِ والعبوديةِ, هو  ما يحتاجُ الى دليلٍ برهانٍ !!!
ولذا إحتاجَ الأنبياءُ والمرسلونَ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) الى مئاتِ, بل آلافِ المعاجزِ وخوارقِ الطبيعةِ, لضمانِ مقبوليةِ الإنسانِ بالتحررِ مِن الرقِ والعبوديةِ والمساواتِ بالحقوقِ والواجباتِ !!!     #أليسَ_ذلكَ_عجيباً_حقاً ؟!!!

#وبالتالي :
فإنَّ هذهِ النظريةُ الإقتصاديةُ, وإن دُرِسَتْ في الأكادمياتِ العالميةِ على أنّهَا نظريةٌ أقتصاديةٌ تبعثُ في الإنسانِ روحِ العملِ والتحركِ, لا لشيءٍ سوى أنَّ الإنسانَ بطبيعتهِ ميالٍ الى التملكِ والإستحواذِ والتزودِ, ولكنَّهَا بالحقيقةِ أنَّ سِرِ نجاحِهَا وبقائِهَا أمرانِ أساسيانِ :

الأمرُ الأولُ :
................. إنَّهَا تُطابقُ رؤيا الإنسانِ بطبيعةِ الحالِ, لأنَّ فطرةَ الإنسانِ وطبيعتهِ تميلُ الى حبِ الذاتِ, لذا ليسَ مِن العقلِ ومِن الصوابِ أن تقولَ للإنسانِ تخلَ عن ذاتكَ وحبكَ لنفسكَ !!!
لأنَّ هذا الطلبَ سوفَ يقابلُ بالرفضِ, وهذا الامرُ سيقارعُ بالعصيانِ والتمردِ عليهِ, لا لشيءٍ لأنَّ الإنسانَ بطبيعتهِ وفطرتهِ محبٌ لنفسهِ وذاتهِ, وبالتالي فلا يحتاجُ الى دليلٍ لإثباتِ الوجدانياتِ, بل بمجردِ أن تقعَ وتقرعَ أسماعَ المقابلِ بمَا يُخاطبُ الوجدانَ, فلا يجدً بداً مِن قبولِهَا, والمقارعةِ والموتِ لأجلِ إثباتِهَا ...

الأمرُ الثاني :
................. لَم يتعرضْ هذا النظامُ الى مَا يخالفُ مَا جاءتْ بهِ النبواتُ صراحةً, أي لَم يتعارضْ مع عقائدِ الإنسانِ على الإطلاقِ, بل رسخَ في أذهانِ الإنسانِ مفهومَ الحريةِ التي نادتْ بهَا كلُّ النبواتِ على حدٍ سواءٍ ...

طبعاً هذا مِن حيثُ الصياغةِ والنصِ, وليسَ مِن حيثُ المبدأ والأصلِ, لأنَّ الحريةَ التي جاءَ بهَا الأنبياءُ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) هي الحريةُ المطلقةُ الحقيقيةُ, بخلافِ الحريةِ التي جاءِ بهَا النظامِ الرأسمالي, لأنَّهَا جعلتْ الحريةَ مِن الأشياءِ التي يملكُهَا نفسَ الإنسانِ, والتي يُمكن أن يستغني عنهَا, أي شأنُهَا شأنُ أي سلعةٍ أخرى يُمكن أن يستملكهَا الإنسانُ أو يبيعهَا, لذا فبيعُ الإنسانُ حريتهُ مقابلَ الحصولِ على العملِ والحفنةِ مِن الأموالِ, ليسَ منافياً لمبادئ الرأسماليةِ, لأنَّهَا أبيعتْ بحريةِ مالكِهَا وليسَ رغماً عن أنفهِ !!!

#وبالمقابلِ :
أنَّ كلَّ الأنظمةَ التي قابلتْ هذا النظامَ, وعلى رأسِهَا النظامِ الشيوعي بمختلفِ مذاهبهِ, قد حكمتْ على نفسِهَا بالفشلِ مِن أولِ هلةٍ, لا لشيءٍ سوى أنهَا قابلتْ عناصرَ قوةِ النظامِ الرأسمالي مباشرةً, فيمُكن وعزُ سببِ فشلِهَا جميعاً, مِن نفسِ عناصرِ بنائِهَا, الى أمرينِ أثنينٍ أيضاً :

الأمرُ الأولُ :
................. إنَّهَا جابهتْ طبيعةَ الإنسانِ مباشرةً, وحاولتْ أن تطالبهُ بمحاربةِ نفسهِ وفطرتهِ, وأمرتْ الإنسانَ أن يتخلصَ مِن طبيعتهِ وميولهِ الفطري الى الرغبةِ الجامحةِ للإستملاكِ وحبِ الذاتِ, وتستعيضُ عنهُ بالظمانِ الإجتماعي في المساواةِ في الثروةِ والمالِ !!!

وبالتأكيدِ أنَّ هذهِ المبادي التي بُنِتْ عليهِ النظامُ الشيوعي بمختلفِ مراحلهِ ومذاهبهِ, يخالفُ وجدانِ الإنسانِ وطبيعتهِ وميولهِ الفطري, فلذا إحتاجَ الى التفلسفِ والمؤونةِ والمراوغةِ في الإثباتِ, ومَهَمَا بلغتْ قناعةُ الإنسانِ الى ما يُخالفُ الطبعَ والفطرةَ, فإنَّهُ سرعانَ ما يرجعُ لهمَا ويُبدي معارضتهُ الى مَا كانَ مقتنعاً بهِ ...

فخلقُ مجتمعاً يؤمنُ بالضمانِ الإجتماعي ونفي الذاتِ ضرباً مِن ضروبِ الخيالِ النظري, وليسَ لهُ واقعٌ خارجِ المباني الفكريةِ لمؤسسي هذهِ النظريةِ !!!

الأمرُ الثاني :
................. إنَّ هذا النظامَ تعارضَ أيمَا تعارضاً مع الدياناتِ السماويةِ التي يؤمنُ البشرُ بهَا, مع غظِ البصري عن الإيمانِ بأحقيتِهَا, أو بدرجةِ إيمانِ المقابلِ بهَا, فمهمَا كانَ المقابلُ منحرفاً عن عقائدهِ الدينيةِ, فيكونُ متعصباً لهَا بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ !!!

فعندمَا لَم تتبنَ النظمُ الرأسماليةُ مشروعاً مقابلاً لتعاليمِ السماءِ التي يُؤمنُ بهَا الأفرادُ علانةً وصراحةً, بل نادتْ بمَا نادى بهَا مِن حريةِ الإقتصادِ والفردِ والسيطرةِ والسيادةِ, فقد تبنتْ الأنظمةُ الشيوعيةُ هذهِ المعارضةِ !!!

فلم تكتفِ هذهِ الأنظمةُ بطرحِ نفسِهَا نظاماً إقتصادياً وإجتماعياً فقط, بل طرحتْ نفسهَا نظاماً بديلاً عن الدياناتِ السماويةِ, حيثُ طرحتْ نظريةً قبالَ بديهياتِ العقلِ البشري مِن وجودِ علةً حقيقيةً مستقلةً إنبثقتْ مِن ورائِهَا كلَّ العللِ الأخرى, وهي مَا يُصطلحُ عليهِ مفهومُ الإلهُ والربُ !!!

وبالتالي فشلَ أربابُ هذهِ الأنظمةُ فشلاً ذريعاً عندما قابلوا عقائدَ الإنسانِ وإيمانهِ بالإضافةِ لمخالفتِهِم الصريحةِ لمَا أجبلَ عليهِ الإنسانُ مِن فطرةٍ وطبيعةٍ !!!

#ولكن :
بالحقيقيةِ أنَّ هذهِ الأنظمةَ لَم تكن وليدةً للعقلِ البشري المنعزلِ عن ممارسةِ السلطةِ والسطوةِ, بل أنَّ نفسَ مَن إقترحَ هذهِ الإنظمةَ وأسسَ لهَا نظرياتِهَا, وحاولَ اقناعَ الناسِ بهَا, نفسُ الطبقةِ المترفةِ التي لا يُمكن أن تحافظُ على كيانيهَا مِن غيرِ طبقةِ المستضعفينَ, كيف ؟؟؟

فبالتأكيدِ أنَّ أطروحةَ الحريةِ الشخصيةِ والملكيةِ التي نادتْ بهَا الرأسُماليةُ, جاءتْ مِن بُنَاتِ أفكارِ الطبقةِ المتسلطةِ (المترفةُ), لأنَّ طَرْحَ مبدأ حريةِ الشخصيةِ والفكريةِ والتملكِ والتسلطِ, وهي الأركانُ الأربعةُ التي بُنِيَتْ عليهَا هذهِ النظريةُ, تخدمُ أولاً وبالذاتِ نَفْسَ المؤسسينَ لهَا, وهم الطبقةُ المترفةُ ...

لأنَّ هذهِ المبادئَ الأربعَ جاءتْ على مقاسِ المترفينَ مفصلةً, وفي نفسِ الوقتِ جاملتْ الطبقةَ الكادحةَ المستضعفةَ, فليسَ لهذهِ الطبقةِ إلا تلذذُ الأسماعِ دونَ الأفواهِ والأبدانِ !!!

لأنَّ القولَ بالحريةِ الشخصيةِ والفكريةِ والتملكِ والتسلطِ, قد دَشَنَتْ أهمَ مَا يحتاجهُ الإنسانُ للسيطرةِ والسطوةِ على رقابِ الناسِ وعلى خيراتِ الطبيعةِ, حيثُ أنَّ القولَ بحريةِ الشخصِ, والقولَ بأنَّ نفسَ الحريةِ يُمكن الإستغناءُ عنهَا جزءاً مِن عمومِ الحريةِ الشخصيةِ, مهدتْ لأنَّ يبيعَ الإنسانُ حريتهُ الى الطبقةِ المترفةِ, وهذا البيعُ مقروراً بهذا النظامُ ولا يخالفهُ إطلاقاً ...

وهنَا لا يُعتقدُ أبداً أنَّ أحداً مِن أفرادِ الطبقةِ المترفةِ هو مَن يقومُ باسترقاقِ نفسهِ الى غيرهِ, لعدمِ حاجتهِ للمالِ أو العملِ لبيعْ قبالهُ حريتهُ !!!

وبالمقابلِ قد وفرتْ حريةُ الإستملاكِ حقاً لأيِّ فردِ بالتملكِ وإستخدامِ المواردِ الطبيعيةِ التي يحتاجَهَا لتلبيةِ هذا الحقُ, فلهُ أن ينقبَ عن النفطِ في أيِّ بقعةٍ مِن بقاعِ المسموحِ بهَا, ولهُ أن يستخدمَ المواردَ الطبيعيةِ في صناعةِ الزجاجِ والورقِ والبلاستكِ والمطاطِ وغيرِهَا, خدمةً لهذا الحقِ, فليسَ لأحدٍ أن يمنعهُ حقَ التملكِ والعملِ على التملكِ, فتكونُ الطبيعةُ جميعاً تحتَ تسلطهِ, بالتأكيدِ سيكونُ هذهِ الحريةُ شيئاً راقياً جداً بمنظورِ السُذجِ مِن الناسِ !!!

لأنَّ الطبقةَ المستضعفةَ ليسَ بمقدورِهَا أبداً أن تستغلَ الطبيعةَ وخيراتِهَا, لا لشيءٍ سوى أنَّ إستغلالَ الطبيهةِ ليسَ بالأمرِ الهينِ أبداً, فاستخراجُ البترولِ والمعادنِ والأملاحِ, وقطعُ الأشجارِ ونقلُهَا وتكريرُهَا, وإعادةُ تدويرِ الالعناصرِ الأوليةِ الطبيعيةِ من حالةٍ  الى أخرى تحتاجُ الى أرقى المكائنِ والمعداتِ, وجيشاً هائلاً مِن اليدِ العاملةِ والمفكرينَ والحرفيينَ, وكلُّ هذهِ مجتمعةً لا يمكنُ أن يرقَ إليهَا أيُّ فردٍ مِن أفرادِ الطبقةِ المُستضعفةٍ, بل ليسَ لهُ أن يهتدي الى التفكيرِ إليهَا سبيلاً !!!

لذا فإنَّ نفسَ الطبقةِ المُترفةِ وأربابِ رؤوسِ الأموالِ قبلَ تَدشينِ القانونِ وقبلَ صياغتهِ على هذا النوحِ, كانوا هُم القادرينَ فقط على هذا النوعِ مِن تسخيرِ الطبيعةِ الى مصالحِهِم وأنفسِهِم, فكإنمَا القانونُ قد قَدَرَ الأفرادَ المستطيعينَ خارجاً, وهُم الطبقةُ المترفةُ أولاً قبلَ العملِ على صياغةِ القانونِ والنظامِ !!!

وبالتالي فإنَّ إثنينِ مِن أربعةِ أركانٍ مِن أركانِ النظامِ الرأسُمالي جاءَ على مقاسِ الطبقةِ المترفةِ منذُ بدايةِ التنظيرِ الى هذا القانونِ, وأقصدُ بهَا هنَا هي : الحريةُ الشخصيةُ وحريةُ الإستملاكِ, بالرغمِ مِن طربِ أسماعِ أفرادِ الطبقةِ المحرومةِ والمسحوقةِ بهذينِ الركنينِ المعبرينِ عن كلِّ معاني الإنسانيةِ والرأفةِ والرحمةِ, بعدَ أن شهدتْ الحضارةُ أروعَ أمثلةِ الإسترقاقِ والعبوديةِ الى صالحِ الطبقةِ المُستفيدةِ !!!

#وبالتأكيدِ :
أنَّ طموحَ الإنسانِ لا ينتهي عندَ حدِ الترفِ المالي, لأنَّ الترفَ المادي لا يُوفرُ الحمايةَ لنفسهِ, بل يحتاجُ الى ممارسةِ السلطةِ للحفاظِ على المالِ وأربابِ الأموالِ, كمَا وتوفرُ السلطةُ الكثيرَ مِن القوانينِ التي تصبُ بمصلحةِ الطبقةِ المترفةِ, بل وتوفرُ لهُ كلَّ معاني التسلطِ على الرقابِ, وتزيدُ عديدَ جيوشِ العبيدِ والرقيقِ, الذينَ هُم عنصراً لا يتجزءُ لتسخيرِ الطبيعةِ وموارِدِهَا بشكلٍ كاملٍ لصالحِ الطبقةِ الأنانيةِ !!!

وبما أنَّ الركنَ المالي والقدرةَ الإقتصاديةُ عنصرانِ مهمانِ وأساسيانِ, بل ووحيدانِ لكسبِ السلطةِ والسطوةِ على رقابِ الناسِ, وبمَا لهذهِ السلطةِ مِن منافعٍ تُجنى مِن ورائِهَا المزيدَ مِن رؤوسِ الأموالِ الى الطبقةِ المترفةِ, فبالتأكيدِ سيكونُ طلبُ السلطةِ والظفرُ بهَا متوفرةَ الدواعي, وبالتالي ستكونُ نفسُ الطبقةِ المُستحكمةِ صاحبةَ الحظِ الأوفرِ في الفوزِ بهذا الركنِ مِن النظامِ !!!

وحتى لا يعترضُ المجتمعُ على عقائدِ وتصرفاتِ والطريقةِ التي تفكرُ بهَا هذهِ الطبقةُ المستحكمةُ على رقابِ الناسِ, فلابدَ مِن إقرارِ ركناً أساسياً في حريةِ التفكيرِ والدينِ, وليسَ لأحدٍ أن يناقشَ المقابلَ بماهيةِ أعتقادهِ وتفكيرهِ, فليسَ مِن الضرورةِ أن يكونَ المتصدي على رقابِ الطبيقةِ الكادحةِ والأكثريةِ المسيحيةِ أو اليهوديةِ أو المسلمةِ مِن غيرهَا من الأديانِ والعقائدِ, لمَا تكفلهُ هذا الركنُ مِن حريةِ التفكيرِ, وأمَا الإحتكامُ الى رأي الأكثرةِ مِن الناسِ, سيكونُ هو المادةُ لتسلطِ هؤلاءِ على رقابِ الجميعِ, لأنَّ رأيَّ الأقليةِ مصادرٌ حتى لو كانَ مِن ذوي النُهَى والرجحانِ, فيبقى الكادحونَ والمتخلفونَ والعبيدُ هُم مَن يصلُ بهؤلاءِ الى سدةِ الحكمِ, لا لشيءٍ سوى أنَّهُم الأكثرةُ والمُستغلةُ مِن الطبقةِ المترفةِ مِن المُتسلطينَ المالكينَ لكلِّ وسائلِ الدعايةِ الماليةِ والإعلاميةِ !!!

#وبالتالي :
فإنَّ القولَ المأثورَ بأنَّ الطبقةَ المترفةَ هُم مَن ينتخبَ الرؤوساءِ في العالَمِ, ويحددُ هوياتِهِم وميولاتِهِم لإستكمالِ تسخيرِ الطبيعةِ لصالحِ مشارِعِهِم, قولٌ تامٌ بنسبةِ ماْئةٍ في الماْئةِ, ولا يَشوبُ هذهِ النسبةَ شيءٌ مِن الشكِ أو الترددِ, وبالتالي فأنَّ أصحابَ رؤوسِ الأموالِ هُم مَن يتحكمُ في عصا التحمِ في العالمِ بأسرهِ, عن طريقِ مندوبِهِم في الحكوماتِ التي يُدعى لهَا الإستقلالِ عن المؤثراتِ الخارجيةِ والجانبيةِ !!!

وإنَّ سيطرةَ رؤوسِ الأموالِ على مفاصلِ الحكوماتِ يُقابلهُ سيطرةٌ تامةٌ على المؤسساتِ الإعلاميةِ المؤثرةِ في رأي الجمهورِ, حيثُ أذا أرادوا هؤلاءِ المترفونَ أن يسخروا أرضاً معينةً الى صالحِهِم, ما عليهِم إلا أن يحركوا المؤسسةَ الإعلاميةَ لتتولَ بدورِهَا إقناعَ الشعوبِ, الذينَ هُم يُمثلونَ الأكثريةَ والأغلبيةَ لإستصدارِ القوانينِ وتشرعِهَا !!!

#فكمَا :
رأينَا في أمِ أعيونِنَا ووعينَا المسألةَ بالنسبةِ للنظامِ الرأسمالي, فقبالُ ذلكَ هنالكَ الكثيرُ مِن مَن يملكونَ الشراهةَ للوصولِ الى السلطةِ, ولكنَ وجودَ هكذا نظامٍ لا يُساعدُ على تسخيرِ كلَّ البشريةِ والطبيعةِ في تصرفِ طبقةٍ مِن الطبقاتِ المترفةِ, بل لابدَ مِن إنفرادِ طبقةٍ دونَ أخرى بالسلطةِ المطلقةِ, والتحكمِ في مصيرِ الكوكبِ الأزرقِ برمتهِ تحتَ رؤى طبقةٍ واحدةٍ فقط, وهذا مَا يُعرفُ اليومَ سياسياً بأحاديةِ القطبِ !!!

فليسَ مِن المعقولِ أن يأتي هؤلاءِ بنفسِ المفاهيمِ التي جاءتْ بهَا الرأسُماليةِ القائدةِ عبرَ العصورِ المتراميةِ, بل المزامنةُ ظهوراً مع ظهورِ الإنسانِ في هذا الكوكبِ, بل لابدَ مِن قانونٍ ونظامٍ يقعُ في قبالِ ذلكَ النظامِ, وهذهِ المقابلةُ لا تتحققُ إلا بإذكاءِ آوارِ عواطفِ الطبقةِ المُستضعفةِ مِن الناسِ وتوازي مَا طرحتْهُ الرأسماليةُ مِن شعاراتِ أبهرتْ عقولَ العامةِ وإستنفرتْ  عواطفَهُم, إذن فلابدَ مِن اللعبِ على نفسِ الوترِ العاطفي, ولكن بسلمٍ موسقي مُختلفٍ !!!

لذا طَرَحَ أربابُ الفكرِ الشيوعي ومؤسسُ أركانهِ المساواتِ في الحقوقِ والواجباتِ, بل طرحوا وأكدوا بأنَّ الطبقةَ المستضعفةَ هي مَن يجبُ أن تحكمَ المجتمعَ الشيوعي المتقدمَ, وعدمُ السماحِ للطبقةِ المترفةِ بالحكومةِ أبداً, بل لابدَ مِن سلبِهِم قدرتِهِم الماليةِ وصولاً بهِم الى مستوى الطبقةِ المستضعفةِ, وبالتأكيدِ أنَّ إصطلاحَ الإستضعافِ والمستضعفةِ لابدَ مِن أن يُغيرَ الى إصطلاحٍ آخرٍ مختلفاً تمامَ الأختلافِ, لذا أطلقوا عليهَا #الطبقةَ_العماليةَ !!!

لا يُمكن أن يتحققَ هذا الضمانُ الإجتماعي أبداً, مالم تتوزعُ الخيراتُ بالتساوي على أبناءِ المجتمعِ الشيوعي, بغضِ النظرِ عن نوعِ عملِهِم ومقدارِ كدحِهِم, فالمجتمعُ مكفولاً مِن قبلِ الحكومةِ بشكلٍ تامٍ ...

وبالتأكيدِ لا يُمكن أن تتحققَ هذهِ الكفالةُ مِن قبلِ الحكومةِ الشيوعيةِ إلا إذا تَم تأميمِ مرافئ ومصادرِ الثروةِ, وعدمِ السماحِ للأفرادِ باستملاكِهَا أو السيطرةِ عليهَا, بل تُنقلُ الى حكومةِ الممثلةِ للشعبِ الشيوعي بشكلٍ تامٍ, وهي مَن تضمنُ التوزيعَ المتساوي للثرواتِ عليهِمِ !!!

#وهنَا :
باتَ واضحاً إنَّ عملياتِ التأميمِ الذي نادى بهَا هذا النظامُ, سوفَ يُكدسُ مصادرَ الثروةِ بأيدي أفرادٍ محددينَ وطبقةٍ محددةٍ وأضيقِ دائرةٍ مِن الرأسماليةِ بكثيرِ, وهذهِ الطبقةُ تُعرفُ بالحكومةِ الممثلةِ للشعبِ !!!

إذن الصراعُ بينَ الأنظمةِ العالميةِ صراعاً إقتصادياً بحتاً, حتى وإن تزينَ بزينةٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ, حيثُ ترغبُ طبقاتٌ أخرى مِن المترفينَ أن تُنقلَ إليهِم منابعَ الثروةِ بطريقةٍ إقتصاديةٍ فلسفيةٍ, بحيثُ يؤسسونَ نظاماً قبالَ النظامِ المتعارفِ في أغلبِ البلدانِ الغربيةِ !!!

ولاتنسَ أنَّ الكثيرَ مِن الدواعي التي أدتْ الى فشلِ هذا النظامُ وإنهيارهِ قبلَ أن يتمَ تطبيقهُ على منطقةٍ واسعةٍ مِن العالمِ ولفترةٍ طويلةٍ, ومِنَهَا ماذكرناهَا سابقاً, ومنهَا ما كتبهَا الأعلامُ في هذا المجالِ وعلى رأسِهِم الفيلسوفُ الكبيرُ السيدُ محمدُ باقرُ الصدرِ (قُدِسَ سُرُهُ), فلكَ أن تراجعَ هناكَ ...

#إذن :
نحنُ أمامَ نظرياتٍ عملاقةٍ في الإقتصادِ العالمي, وهذهِ النظرياتُ ناهزَ أعمارُ بعضُهَا آلافَ السنينَ, بل وعُقِدَتْ عشراتُ الآلافِ مِن الدراساتِ التحليليةِ لسدِ فراغِهَا مؤخراً, حتى باتَ أمرُ التغلببِ عليهَا مِن الأمورِ المستحيلةِ مطلقاً, لا لشيءٍ سوى أنَّ عملياتِ الترميمِ لهذهِ الإنظمةِ جاريةً على قدمٍ وساقٍ وعلى مدارِ الساعةِ ...

 ولا بأسَ أن أضربَ لذلكَ مثالاً حياً, الكلُّ سَمِعَ بالمؤتمر العالمي للمناخ الذي عُقِدَ في باريسَ عامَ 2015, الذي إنعقدَ حولَ الإتفاقِ على تقليلِ الغازاتِ  الدفيئةِ في الكوكبِ, قد وقعتْ عليهَا 195 بلداً صناعياً, لتقليلِ هذهِ الإنبعاثاتِ مِن خلالِ تقليلِ عملياتِ تكريرِ النفطِ وإستخراجهِ ومِن التقليلِ مِن الإعتمادِ على الوقدِ الأحفورِ والذي على رأسهِ الفحمِ الحجري, والذهابُ باتجاهِ الطاقةِ النظيفةِ ...

والمعلومُ أن تقنينَ التنقيبِ والإستخراجِ لمصادرِ الطاقةِ والسيطرةِ عليهَا مِن قبلِ رؤوسِ الأموالِ منافياً تمامَ المنافاةِ لحقِ الملكيةِ وحريتِهَا, وهو أهُم دعامةٌ مِن دعائمِ الأربعةِ للنظامِ الرأسمالي, بينمَا بينمَا هو حقٌ مِن حقوقِ الشيوعيةِ حكومةً لا شعباً, لكن مع المخالفةِ الصرحةِ للنظامِ الرأسمالي, إتفقَتْ الدولُ الرأسماليةُ على التقنينِ والتقليلِ لغرضِ حفاظِ حرارةِ الجو !!!

#ولذا :
مِن الصعوبةِ حقاً أن نتخيلَ النظامَ الإسلامي ينجحُ عملياً قبالَ هذهِ النظرياتِ, برغمِ مِن كمالِ متونهِ ورقي طرحهِ ورشاقةِ مفرداتهِ, وخصوصاً الرأسماليةَ, بل سيبقى النظامُ الإسلامي الإقتصادي نظريةً حبيسةَ الكتابِ والسنةِ ومؤلفاتِ الأعلامِ, ولا أملَ لتطبيقِهَا أبداً ...

ومِن هنَا لابدَ أن إنتخيلَ أن القيادةَ الحقةَ سوفَ تطرحُ نظامهَا الإقتصادي العالمي, بطريقة جديدةٍ مخالفةٍ للطرقِ النمطيةِ التي طُرَحَتْ بهَا هذهِ النظمةُ نفسَهَا عالمياً, وأمَا كيفيةُ الطرحِ وطريقةُ الطرحِ وقدرتُهَا على النجاحِ, هذا مَاسوفَ نتناولهُ مستقلاً في إحدى حلقاتِ بحثنَا الموسومِ بِــــ : (غِيَابُ الدَولَةِ العِرَاقِيَةِ وإسْتِحْكَامُ سَطْوَةِ المِلِيشيَاتِ) ...

هذا والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ وصلِ اللهُم على النبي الأمينِ والهِ الطاهرينَ وصحبهِ المنجبينَ,
اللهُ أكبــــرُ  اللهُ أكبــــرُ  اللهُ أكبــــرُ اللهُم صلِ على محمدٍ والِ محمدٍ,
ونسألكُم الدعاءَ





الخميس، 16 فبراير 2017


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
هنالكَ دراسةٌ أعددتُهَا مؤخراً فيهَا نظرةً شموليةً الى الجانبِ الأميركي, والتي سأُميطُ اللثامَ عنهَا في الوقتِ المناسبِ, حيثُ أثرتُ خلالَهَا عدةَ نقاطٍ والتي صارَ الكثيرُ مِنهَا ركائزاً في أغلبِ المقالاتِ التي تناولتْ الجانبِ الأميركي ...

فقد جرتْ العادةُ عندَ الكثيرِ أن يكتبَ بحوثاً مبعثرةً, ولا يُمكن أن تلتقي مع بعضِهَا البعضِ البتةَ, بل الكثيرُ مِنهَا يعارضُ بعضُهَا بعضاً, وينافي بعضُهَا بعضاً, وهذا الإضطرابُ على مستوى التراثِ الكاملِ يَكشفُ جلياً غيابَ المنظومةِ الفكريةِ لشخصِ الكاتبِ ...

أي أنَّ مَا يُطرحُ مِن قبلِ الفردِ عبارةٌ عِن إنفعالاتٍ شخصيةٍ وردودِ أفعالٍ, تتناسبُ مع ما يُطرحُ في الخارجِ, وبالتأكيدِ أنَّ الخارجَ بمواضيعهِ مضطرباً ومُختلفاً ومتناقضاً, فتكونُ ردودُ الفعلِ عندَ الكاتبِ متناقضةً ومُضطربةً أيضاً ...

وهنَا يُمكن لنَا أن نُقسمَ الكُتابَ بلحاظٍ آخرٍ, وهو لحاظُ الإنفعاليةِ الفرديةِ, فإذا كانَ الكاتبُ إنفعالياً ومتفاعلاً مع الأحداثِ, لا يُمكن أن نحصلَ منهُ إلا توضيحاً وتفهيماً لمجرياتِ الأحداثِ في الخارجِ, والكثيرُ مِنهَا تكونُ مردودةً نتيجةً لمَا يتبناهُ مِن تحليلاتٍ إنفعاليةٍ مِن جهاتٍ أخرى, كالعقديةِ والدينيةِ والنفسيةِ والإجتماعيةِ !!!

وقسيمُ الإنفعاليينَ مِن الكُتابِ هُم مَن يتبنى فكراً مُستقلاً مبنيةً على دراسةٍ مُستقلةٍ مُنفردةٍ, والتي تُكونُ بعدَ ذلكَ هي المنظومةُ الفكريةُ التي يَستمدُ العناصرَ الأساسيةَ مِن نتائجِهَا ...

وهكذا كُتابٌ قليلٌ هُم, بل أنَّ النزرَ اليسيرَ يُبْتنى طرحهُ على أبحاثٍ مُستقلةٍ بعيدةٍ عن الإنفعالاتِ الخارجيةِ, وهؤلاءِ هُم مَن يعطوننَا منظوماتٍ كاملةً متكاملةً, بيحثُ يجعلوننَا نرى الأشياءَ بواقعيةٍ أكثرٍ, بل وهُم مَن يُخشى مِنهُم وعليهِم خارجاً, لأنَّ هؤلاءِ سيكونوا مصدراً للكثيرِ مِن الإلهامِ والمُلهَمِنَ, بل وهُم مَن يكونوا أكثرَ الناسِ إصابةً للواقعِ في أغلبِ الأحيانِ, لأنَّ السياسةَ تُبنى على الكثيرِ مِن المكرِ والخداعِ, التي تُحركَ الإنفعالاتِ الخارجيةَ في صوبٍ, بينمَا ما يَرومهُ المؤسسونَ صوباً آخراً !!!

فلا خيرَ مرجوةً مِن الإنفعالينَ مِن الكُتابِ, لأنَّهُم أهدافاً سائغةً لِرَسَمَةِ السياساتِ العالميةِ والإقليميةِ, لأنَّهُم هَمْزَةُ الوَصْلِ الى المجتمعِ, تُكتبُ ولا تلفظُ, فهكذا هُم, لا وجودَ لهُم إلا لتبريرِ حالةِ الفصلِ والإبتعادِ والإحاءِ الخارجي, وأنمَا الحقيقةُ خلافُ ذلكَ بشكلٍ تامٍ, حيثُ هُم بالنسبةِ للسياسيينَ والمنظرينَ كالمفتاحِ بيدِ الشخصِ, يتحركونَ جميعاً في نفسِ الإتجاهِ والوقتِ, ولا إثنينيةٌ بينَهُمَا أبداً إلا بمنظورِ العقلاءِ والمتعقلينَ !!!

#ومِن_هُنَا_أقولُ :
فليبحثْ الإنسانُ عن مصدرِ طعامهِ وشرابهِ بنفسهِ, حيثُ قالَ تعالى في كتابهِ العزيزِ الحكيمِ : {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ }عبس 24, وأخطرُ مَا يدخلُ جوفَ أبنِ آدمَ المعرفةُ, فلينظرْ عمَنْ يأخذهَا ويستلهمَهَا, فمَن سَمِعَ لإنسانٍ فقد عبدَهُ, فإن كانَ ينطقُ عَنِ اللهِ تعالى فقد عبدَ اللهَ تعالى, وإن كانَ يأخذُ عن الشيطانَ فقد عبدَ الشيطانَ, أجارنَا وأجاركمُ اللهُ تعالى أن نكونَ عبدةً مِن عبيدِ الشيطانَ الرجيمِ, وأن لا يرزقنَا مِن الطعامِ الا ما طابَ مأكلهُ, ومِن الشرابِ إلا مَا ساغَ مسلكهُ ...

#ولذا :
مَن ترقبَ مَا نطرحهُ بفضلِ دعائكم لنَا بالتوفيقِ وحُسنِ العاقبةِ, وجدَ أننّا نسيرُ على خطى مُتزنةٍ جداً, ليسَ على مُستوى المقالِ فحسبُ, بل حتى على مُستوى المَنظومةِ الفكريةِ جميعاً, وهذا الإتزانُ في الطرحِ, حتى باتتْ المقالاتُ جميعاً -برغمِ إختلافِ موضوعاتِهَا- كأنَّهَا سلسلةٌ متسقةُ البُنيانِ, واضحةُ البيانِ, لا لشيءِ أُسرهُ عليكُم إلا أنَّ كُلَّهَا جاءَ نتيجةً لدراساتٍ مُعدةٍ مُسبقاً على طَرحِهَا, بحيثُ أنَّ مَا يُطرحُ فيهَا مَا هُو إلا نتيجةً لتلكَ الأبحاثِ والدراساتِ ...

ومِن هنَا أدعو مَن يرغبُ إمتهانَ الكتابةِ والتأليفِ أنَّ لا يتفاعلَ مع الأحداثِ بشكلِهَا المُنفردِ, بل ليُأسسْ لنفسهِ منظومةً متكاملةً التي تَكونَ بعدَ ذلكَ مصدراً مِن مصادرِ إلهامهِ, كمَا فعلنَا في سلسلةِ (غيابِ الدولةِ العراقيةِ واستحكامِ سطوةِ الميلشياتِ) وغيرِهَا, والتي وعدتُ الكثيرَ أنَّهَا لا ترى خطَ النهايةِ إلا أن يأذنَ اللهُ تعالى أن يجفَ هذا القلمُ لا سامحَ اللهُ تعالى ربُ العالمينَ, وعندَهَا لا تنسوني بالدعاءِ, 
فطالمَا ألهَمَّ بعضُنَا بعضاً, واستأنسَ بعضُنَا بالآخرِ, وتحاببنَا في الغيبِ دونَ أن يرَ أحدنَا الآخرَ, بل كانَ العطاءُ مِن الطرفينِ -أنا وأنتُم- بغيرِ حسابٍ لأجرٍ, وضربنَا بذلكَ أروعَ الأمثلةِ على الأخوةِ الحقيقيةِ, والثباتِ الصادقِ على النصرةِ التي لهَا مِن الأبوابِ ما لا يعلمُ سعتهَا إلا اللهُ تعالى, ولَم يَكن لأحدِنَا نيةً مبيتةً بأنَّ يقطفَ ثمارَ هذا الجُهدِ الجهيدِ عبرَ أن يُزاحمَ هؤلاءِ على منصبٍ أو جاهٍ أو وظيفةٍ, بل فليأمنوا مِنَا مِن هذهِ الناحيةِ, فلا يرونَ مِن أحدنَا ظلاً خارجَ عالمِ الحساباتِ الإلكترونيةِ, وأسألُ اللهَ تعالى أن يُمتعهُم بمَا خافوا عليهِ منَا, وأن يُمتنعنَا بمَا آمنَا الخطرَ مِن خلالهِ ...

#ولكي :
تتأكدَ الفكرةُ أكثرَ, إنَّ التصدي لأيِّ مركزٍ فيهِ أيُّ نوعٍ مِن أنواعِ التماسِ مع المُجتمعِ, لَيَمُجْ العقلَ مجاً, حتى يتركَ صاحبهُ بآخرِ الرَكْبِ, وفي أدنى طابورِ المُتبضعينَ مِن متاجرَ المعارفِ, وهنَا تتبينُ عندنَا الإخلاصُ في القيادةِ, فإذا ضَحى القائدُ بمَا مجهُ الزمانِ مِن قدامةِ العقلِ, وتركهُ في آخرِ الركبِ, وجعلهُ في عينِ اللهِ تعالى, لأنَّهُ لَم يجدَ الوقتَ الكافي ليتزودْ, فسيعطيهُ اللهُ تعالى كمالَ القدرةِ على إدارةِ شؤونِ الرعيةِ, بل يخضعُ لهُ مَن علا عليهِ كعبهُ خضوعَ مَن لا حيلةَ لهُ على التفلتِ مِن فكي السَبُعِ ...

وأمَا مَن حسدَ الناسَ على مَا آتاهُم اللهُ تعالى مِن فضلهِ, وعمدَ أن يجعلَ مِن الرعيةِ إلا مَن هو دونهُ, وحالَ الرعيةَ على أن لا يُدركُ إلا مَا أدركهُ, وحرمَ عليهِم مَا لَم يُسعفهُ الزمانُ بسببِ إنشغالهِ, فقد أعلنَ الحربَ على اللهِ ورسولهِ وأهلِ بيتهِ والصالحينَ, وسيحشرهُ اللهُ تعالى مع المنافقينَ الضالينَ المضلينَ المجاهدينَ للحقِ وأئمةِ الحقِ !!!

لذا على مَن أبتلاهُ اللهُ تعالى بالقيادةِ أنَّ لا يتوانَا أن يقدمَ كلَّ ما فيهِ الخيرُ والصلاحُ لرعيتهِ, بل فليعملْ أن يجعلهُم يرتقونَ برتقاءِ الساعاتِ والأيامِ, حتى لو لَم يسعفهُ الزمانُ أن يكن لهُ حظاً منهُ, لأنَّهُ سيكونُ بمنزلةِ مَن ضحى في سبيلِ اللهِ تعالى مِن أجلِ غيرهِ, وسَيُؤجرُ على هذهِ النيةِ إن شاءَ اللهُ تعالى ...

ومن هذا فلا مبررَ لبعضِ الأخوةِ والأحبةِ أن يحاربوا بعضَ الكُتابِ خوفاً مِن أن يُؤسسوا لأنفسِهِم مركزاً في نفسِ الجهةِ الحقةِ التي نعتقدُهَا مُستقبلاً, لأنَّ في ذلكَ خلافَ مرامِهِم ومذهبِهِم, لأنَّ الكثيرَ منا ليسَ لهُ القدرةُ على التضحيةِ بساعاتهِ وأيامهِ, بل ويكتفي الكثيرُ مِنَا أن يستقيلَ مَا لا طاقةَ عليهِ بحملِهَا لغيرهِ مِن الأبطالِ الشجعانِ المضحينَ ...

#ولا_يتوقعُ :
أحدُكُم أن طريقتنَا في الإستطرادِ على الموضوعِ بلا مُبررٍ, لا, بل لهَا مَا يُبررهَا طبعاً, فمثلاً أن أغلبَ الكتاباتِ السياسيةِ سيكونُ مصيرهَا الهلاكُ لا مُحالةً مهمَا إجتهدنَا سويةً بحفظِهَا مِن الضياعِ عبرَ تدوينِهَا وطباعتِهَا ونشرِهَا, ولإبقاءِ الكثيرِ مِنهَا, نضطرُ الى خَلخَلَةِ المقالاتِ بالكثيرِ مِن النظرياتِ والنصائحِ والأفكارِ, وهذهِ لا مجالَ لموتِهَا بأي حالٍ, والحفاظُ عليهَا أقلُ مأونةٍ بطبيعةِ الحالِ ...

بل, أنَّ الكثيرَ مِنهَا سيجدُ آذاناً صاغيةً عندَ غيرِ أصحابِنَا, والكلُّ مدعو الى الأكلِ مِن هذا الزادِ في حالِ الرغبةِ ...

وهي طريقةٌ فيهَا شيءٌ مِن الذكاءِ, فطبيعةُ الإنسانِ ميالةٌ للكسلِ والفترةِ والخلودِ للراحةِ, لذا ترى الكثرَ مِن روادِ التواصلِ الإجتماعي يفرونَ من طويلِ المقالِ ويتظافرونَ على مَا قصرَ مِنهُ, وبالتالي حمينَا الكثيرَ ممَا كتبناهُ عن غيرِ أهلهِ, ومَن كانَ مِن أهلهِ حريصٌ على أن يَصِلَهُ بطريقةٍ مناسبةٍ الى الأعمِ الأغلبِ مِن أولئكَ الكُسالى, وهذا مَا نراهُ مِن خلالِ التقطيعِ والتعليقِ والتصميمِ والإخراجِ جزاهُم اللهُ تعالى خيراً ...

مُضافاً الى انَّ تظافرَ الأدلةِ وتتابعَ المؤيداتِ وتراكمَ الإحتمالاتِ تُضفي بالمَقبوليةِ لمَا يَرومَ الكاتبُ إصالهُ للمتلقي, ففي الكثيرِ مِن الأحيانِ تكونُ الأفكارُ إذ ما طُرِحَتْ بطريقةٍ مُجردةٍ وملخصةٍ, ستكونوا مرفوضةً عندَ الكلِ تقريباً, لأنَّهَا ستكونوا مخالفةً الى الميولِ الفكري والنفسي للكثيرِ مِن القراءِ, وهذهِ الحالةُ المرضيةُ التي أستغلهَا الكثيرُ مِن المنافقينَ مِن الكُتابِ الى جمعِ الناسِ حولَ صفحاتِهِم, لا لشيءٍ سوى أنَّهُم يكتبونَ ما يرغبُ المقابلُ بقراءتهِ وسماعهِ !!!

لذا يتحتمُ علينَا دوماً أن لا نجعلَ المقالَ صادماً للكثيرِ مِن القراءِ الكرامِ, بقدرِ مَا يَهُمُنَا أن نستنقذَ الكثيرَ مِنهُم مِن خلالِ طولِ الكلامِ, وتظافرِ الأدلةِ والمؤيداتِ وتركاكمِ الإحتمالاتِ, وبهذهِ الطريقةِ نجعلُ الكثيرَ مِنهُم في حالةِ عزوفٍ تامٍ عن أولئكَ القشريينَ السطحيينَ الماكرينَ في الغالبِ, وهَا قد تقدمنَا خطوةً مهمةً في هذا المُضمارِ بفضلِ اللهِ تعالى ...

#فمثلاً :
لَم نسمعَ ولم نقرأ ولم نفهمَ حقيقةَ المائةِ يومٍ التي يحتاجُهَا الرئيسُ الأميركي الجديدُ في بدايةِ إستلامِ المنصبِ, بالتأكيدِ أنَّهَا جزءٌ مِن العادةِ والمراسيمِ الأميركيةِ التي سارتْ عليهَا كلُّ الرئاساتِ السابقةِ على الرئيسِ ترامب, ولكنَّ لهذهِ المراسيمِ والعادةِ غايةٌ سياسيةُ مِن ورائِهَا, تُلزمُ الرئيسُ أن لا يتخطاهَا الى مَا بعدِهَا ...

ولكن ماذا تعني المائةُ يومٍ بالنسبةِ للرئيسِ الجديدِ دونالد ترامب ؟؟؟

بعدَ أن عرفنَا أن الرئيسَ الأميركي ترامب مِن أكثرِ الشخصياتِ غموضاً في رؤساءِ العالمِ, لعدمِ إمتلاكهِ سجلاً سياسياً, وغيرِ واضحِ المعالمِ الحزبيةِ, فهو قد تنقلَ بينَ عدةِ أحزابٍ في عقودِ عمرهِ, وبقى الكثيرَ مِن السنينَ بعيداً كلَّ البعدِ عن أن ينتمي لأحدِهَا, فقد فضلَ العيشَ مستقلاً عنهَا جميعاً ...

وهذهِ التحركاتُ كفيلةٌ بإضفاءِ الغموضِ على شخصيتهِ بالنسبةِ للمحللينَ, وبالتأكيدِ أن التنقلَ مِن حزبٍ الى آخرٍ وتركهَا في شطرٍ مِن حياتهِ وتفضيلهُ العيشَ المستقلَ عنهَا جميعاً, يَكشفُ لنَا أنهُ لم يتبنَ أيٍّ من مبادئهَا, بل كانَ يتبنَى بُناتَ أفكارهِ ودراساتهِ وخبراتهِ الشخصيةِ !!!

لذا مِن الراجحِ أن يَستغلَ هذا الرئيسُ المائةَ يومٍ في ترميمِ وزاراتهِ وحواشيهِ ومستشاريهِ, فالعلاقاتُ الخارجيةُ التي أرتبطَ بهَا بهؤلاءِ في الخارجِ, ليستْ بالضرورةِ أن تكونَ صالحةً للحياةِ السياسيةِ, بل كَم مِن خليلٍ في الحياةِ الإعتيادةِ المدنيةِ, صارَ خصماً وعدواً وغريماً سياسياً بعدَ ذلكَ, والشواهدُ كثيرةً على ذلكَ, نتركُهَا الى ثقافةِ القراءِ الكرامِ ...

#لذا ...
فهذهِ الأيامُ المائةُ كفيلةٌ في معرفةِ السياسةِ الخارجيةِ والداخليةِ للرائسةِ الجديدةِ, مِن خلالِ التوافقِ بينَ كوادرِ الرئيسِ وشخصِ الرئيسِ نفسهِ, ففي حالِ أتسمتْ هذهِ الرئاسةُ بكثرةِ التغييرِ والتبديلِ في كوادِرِهَا, سواءُ على مستوى الوزاراتِ أو المستشارينَ, فهي علامةٌ كبيرةٌ في معرفةِ الكادرِ المرادُ للرئيسِ الجديدِ أن يرافقهُ طيلةَ فترتهِ في الرئاسةِ ...

وهنَا تنبثقُ لنَا روىٌ ثلاثةُ فقط لا غيرَ :
الرؤيةُ الأولى :
................... تصفيةُ الخصومِ مِن قبلِ المُقَومينَ والناقدينَ للعمليةِ السياسيةِ في أميركا, حيثُ تعرفَ الجميعُ تقريباً بأنَّ الإدارةَ الأميركيةَ قائمةٌ على أساسِ المؤسساتِ المنفصلةِ عن بعضِهَا البعضِ تمامَ الإنفصالِ, مع المعرفةِ المسبقةِ أنَّهَا ترتبطُ فقط في كوادرِ تنسيقيةٍ فيمَا بينَهَا, وهذهِ الكوادرُ تُعرفُ بالرؤساءِ أو الوزراءِ كمَا و الحالُ في رئيسِ وكالةِ الإستخباراتِ المركزيةِ ذاتِ المؤسساتِ السبعةِ عشرٍ, والتي لا أهميةَ لرئيسِ الوكالةِ إلا الإنسيابيةُ بينَ هذهِ المؤسساتِ, وليسَ لهُ إطلاعٌ بالمرةِ على ما يُدارُ في كواليسِهَا المظلمةِ تمامَ الظلامِ !!!

وبالتالي أنَّ مثلَ هذهِ المؤسساتِ سوفَ يكونُ لهَا الرأي الكبيرُ في تنصيبِ هؤلاءِ الرؤساءِ, لأنَّهَا مِن الواجبِ عليهَا أن تحفظَ سريةَ معلوماتِهَا وستراتيجياتِهَا المُستقبليةَ عن غيرِ أهلِهَا ...

وبالتالي سيكونُ لهذهِ المؤسساتِ الكثيرُ من الدورِ في تصفيةِ الخصومِ وعزلِهِم عن الحياةِ السياسيةِ في حالِ عدمِ الرغبةِ بهِم كأفرادٍ مقربينَ مِن الرئيسِ الجديدِ, أو كقياداتٍ تتزعمُ بعذَ مفاصلِ الدولةِ, كمَا حصلَ مع المستشارِ في الأمنِ القومي للرئيسِ ترامب #مايكل_فلين الذي إتهمتهُ وكالةُ الإستخباراتِ بتضليلِ الرئيسِ المُنتخبِ, ونقلهِ وعوداً وإجرائهِ إتصالاتٍ مع السفيرِ الروسيا في الولاياتِ المتحدةِ #جوزيف_كيلوغ, وقطعهِ عهوداً عن الرئيسِ في مَا يخصُ العقواباتِ وجزيرةِ القرمِ الأوكرانيةِ !!!

الرؤيةُ الثانيةُ :
.................. تصفيةُ الخصومِ مِن قبلِ نفسِ الإدارةِ الأميركيةِ المتمثلةِ بالرئيسِ الأميركي والكادرِ المحيطِ بهِ, حيثُ أن الكثيرَ مِن الخصومِ السياسيينَ والإعلاميينَ وأصحابِ القرارِ في الولاياتِ المتحدةِ سيتمُ تصفيتُهُم وإبعادُهُم عن المشهدِ السياسي في أميركا, كمَا حصلَ مع القائمةِ في مقامِ وزيرِالعدلِ, التي أبدتْ موقفاً مُناهضاً لرؤيةِ الرئيسِ ترامب في مَا يخصُ حظرِ بعضِ الدولِ مِن السفرِ الى أراضي الولاياتِ المتحدةِ, وكذلكَ تسفيهُ قرارَ المحكمةِ المُتخذِ بهذا الصددِ, وغيرُهَا مِن تصفياتِ الخصومِ السياسسينَ وغيرِهِم ...

#ومِن_هاتينِ_الرؤيتينِ :
 يُمكن لنَا أن نتوصلَ الى مَا هو مهمٌ جداً في هذهِ المرحلةِ, حيثُ يُمكن أن نتيقنَ أن عملياتِ تصفيةِ خصومِ الداخلِ الأميركي طيلةَ هذهِ المائةِ يومٍ -والتي أبتدأت مِن العشرينَ يناير المُصادفِ تقريباً الثاني والعشرينَ مِن ربيعٍ الثاني, والتي ستنتهي في قرابةِ الواحدِ مِن شهرِ مايو المصادفِ تقريباً الخامس مِن شعبان الخيرِ والعطاءِ, وبحسبِ إختلافِ الرؤيةِ لبدايةِ الأشهرِ-, سيجعلُ الخارجَ الخصومَ فيهِ في مأمنٍ كبيرِ جداً, بل أنَّ هذهِ المائةَ يومٍ مساويةً مِن حيثُ إهمالِ الخارجِ الفترةَ التي سبقتْ الإنتخاباتِ الأميركيةِ ...

#ولكن_السؤالَ_المحيرُ_هو :
لماذا لم تستغلْ بعضُ الدولِ المارقةِ على القراراتِ والرؤى الأميركيةِ هذهِ الفترةِ كَما إستغلتهَا قبيلَ الإنتخاباتِ أبانَ رئاسةِ أوباما ؟!!
بالتأكيدِ أنَّ هذهِ الدولَ المارقةَ ضمنَ الأفقِ الأميركي, تترجى خيراً مِن هذهِ الرئاسةِ الجديدةِ, وغيرُ مستعدةٍ بدخولِ حربِ باردةِ أو حقيقيةِ أو سياسيةٍ طيلةَ رئاسةِ دونالد ترامب, لذا فهي حريصةٌ تمامَ الحرصِ على إبقاءِ التصريحاتِ الوديةِ والتصرفاتِ الودودةِ أمامَ الرئيسِ الجديدِ لأميركا, لأنَّ أي تحركٍ أو تصريحٍ مُريبٍ كفيلٌ بأنَّ يُلفتْ إنتباهَ التنينِ الأميركي صوبَ الكوخِ الروسي المصنوعِ مِن القشِ, والمطرزِ بأنواعِ البارودِ, والمعطرِ برائحةِ وقودِ محركاتِ الطائراتِ !!!

لذ ليسَ مِن المناسبِ جداً أن يُبدي الخصومُ الخارجِ أيَّ تصريحٍ يُسهمُ في هذا الإلتفاتِ, أو يُسهمُ في إعادةِ ترميمِ الخلافِ السياسي في الداخلَ البيتِ الأميركي, طبعاً هذهِ وجهةُ نظرٍ مَقبولةٍ نوعاً مَا, ناهيكَ عن أن تصديقَ التصريحاتِ الخارجيةِ للمخاوفِ وكالاتِ الإستخباراتِ والأمنِ القومي, كفيلةٌ لإثباتِ وجهاتِ النظرِ الإستخبارةِ مِن خطرِ هؤلاءِ الأعداءِ التقليدينَ أمامَ الرئاسةِ الجديدةِ المتعاطفةِ مع الروسِ نوعاً مَا, فيبقى العظُ على الجرحِ أولى مِن الصراخِ بالألمِ الروسي !!!

وهنا تأتي الرؤيةُ الأخيرةُ التي تُممُ الرؤى الثلاثةَ .
الرؤيةُ الثالثةُ :
.................. إسهامُ الهدوءِ الروسي في مساعدةِ الرئيسِ ترامب في تصفيةِ الخصومِ التقليدينَ والمُنظرينَ للسياسةِ الأميركيةِ الخارجيةِ, حيثُ أن الروسَ أثبتوا هذهِ المرةِ كمَا في غيرهَا مِن المراتِ أنَّهُم مِن المحنكينَ سياسياً ودبلماسياً في التعاملِ مع الخصومِ التقليدينَ, حيثُ أنَّ هذا الهدوءَ غيرُ المسبوقِ على فوزِ الرئيسِ ترامب, بعدَمَا بلغَ الخلافُ أوجهُ في نهاياتِ ولايةِ الرئيسِ أوباما, يبعثُ برسالةٍ رائعةٍ أنَّ الخلافَ مع الجانبِ الأميركي هو خلافٌ مع السياساتِ الرئاسيةِ وليسَ مع الرؤيةِ المريكيةِ, حيثُ بذهابِ الرئيسِ السابقِ سوفَ تُنسى الكثيرُ مِن الخلافاتِ وتتركُ جانباً, مع الحرصِ على فتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع الرئاسةِ الجديدةِ الحاليةِ, إذن الخلافُ خلافاً سياسياً ودبلماسياً وليسَ قومياً ...

وهذهِ الرؤيةُ كفيلةٌ في مساعدةِ الرئيسِ ترامب في تصفيةِ خصومهِ في الداخلِ الأميركي, خصوصاً وأنَّهُ غيرُ مالكٍ النظرَ القبليةَ بأنَّ الخطرَ الروسي يُمثلُ خطراً قومياً أميركياً, كمَا هو الحالُ مع المُنافسةِ هيلاري كلنتون, التي وضعتْ الخطرَ الروسي مِن أولوياتِ إدارتِهَا في حالِ فوزِهَا !!!

#لذا ...
فهذهِ المائةُ يومٍ مهمةٌ جداً بالنسبةِ للمراقبينَ والمحللينَ, لأنَّهَا ستوضحُ معالمَ السنواتِ الأربعِ القادمةِ مِن هذهِ الولايةِ, وهي مدةٌ طويلةٌ جداً يُمكن أن يُعادُ خلالَهَا إعادةُ رسمِ خارطةِ العالمِ بأسرهِ ...

ولكن لا بأسَ أن أخرجَ قليلاً عن الموضوعِ كمَا هي العادةُ تقريباً في الكثيرِ مِن القراءاتِ السابقةِ على هذا المقالِ, مِن خلالِ إبانةِ أن عناصرَ الإختلافِ الروسي الأميركي لا يُمكن أن تخفي ملامحهُ تصنعُ الهدوءِ الكاذبِ والعظُ والصبرُ على الجراحاتِ, لأنَّ عناصرَ الإختلافِ بعددِ المصالحِ الأميركيةِ في الشرقِ الأوسطِ والأدنى من القارةِ الأسيويةِ, بل أحدُ عناصرِ الإستنفارِ الروسي هو الأمنُ الروسي نفسهُ, وأمنُ الحدودِ مِن الجهاتِ الروسيةِ كافةً ...

فالصلحُ الروسي صلحٌ أحادي الطرفِ, وهو أقربُ الى التنازلِ منهُ الى الصلحِ, لأنَّ التركةَ الثقيلةَ لولايتي أوباما كفيلةٌ في إبقاءِ الرئيسِ ترامب غارقاً فيهَا وفي إكمالِهَا طيلةَ فترةِ لايتهِ الأولى !!!

وإنَّ هذهِ التركةَ هي لُبُ الخلافِ بينَ الجانبينِ الروسي والأميركي, لذا حتى لو توددَ الرئيسُ فلادمير بوتن والتزمَ الصمتَ, فإنُّهُ يريدُ تنازلاً مِن الجانبِ الأميركي قبالَ هذا السكوتِ, وإلا فبمجردِ أن تطولَ المدةِ ويبدأ الرئيسُ ترامب في إكمالِ مشروعِ شرقِ الأوسطِ الجديدِ, بل والتحركِ الى نهاياتِ القارةِ الأسيويةِ, سينفجرُ الرئيسُ الروسي بينَ ليلةٍ وضحاهَا كاشفاً عن فقدانِ صبرهِ وعدمَ قدرتهِ على السكوتِ !!!

#ولذا ...
سترونَ جميعاً -إن شاءَ اللهُ ربُ العالمينَ- كيفَ ستتحققُ الكثيرً مِن الرؤى التي رسمناها سابقاً في عدةِ مقالاتٍ, حيثُ تتحققُ هذهِ الرؤى في اغالبِ ضمنَ هذهِ المائةِ يومٍ أو الأقلِ مِنهَا, لذا أطلبُ مِن الجميعِ أن لا تفوتهُ فرصةَ ومتعةَ مراقبةِ الأحداثِ الواقعةِ على مدارِ عقربِ الثواني, وأن لا يفوتهُ أجرَ نشرَ ما يتحققُ منهَا في مَا كتبناهُ سابقاً ...

ومَا ترونهُ من مخرجاتِ تدعو الى تهدئةِ شرقِ الأوسطِ كمَا في أستانا, فهي فقط وفقط لعبةُ الصبيةِ التي يَرغبُ أهلوهم في الغالبِ أن يلعبوا بعيداً من إزعاجهِم خلالَ هذهِ المدةِ الإستثنائيةِ أميركياً ...

واللهُ تعالى هو العالمُ بحقيقةِ المستقبلِ


الأحد، 5 فبراير 2017

الفِرْشَاةُ الأميركيةُ وصِيَاغةُ العَالَمِ الجَدِيْــــــــدِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)

مِن غيرِ المَشكوكِ فيهِ أبداً, أن النظرةَ الأميركيةَ للعالمِ بأسرهِ باتتْ نظرةَ

استصغارٍ واستحقارٍ واستخفافٍ الى درجةِ إتخاذِ القراراتِ بشكلٍ منفردٍ عن الأسرةِ الدوليةِ, التي تَرعَى مصالحهَا دولُ العالمِ الأولِ, كبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا وإيطاليا وغيرِهِنَّ ...

وإنَّ كلَّ هذهِ القراراتِ تَنبعُ مِن الرؤيةِ الأميركيةِ والمصالحِ الوطنيةِ القوميةِ بعيدةً عن الرؤيةِ العالميةِ والمصالحِ المُشتركةِ, بل حتى لو كانتْ تلكَ القراراتُ الأميركيةُ تصبُ في الصالحِ الضيقِ والبسيطِ قياساً بالمصالحِ العالميةِ المُشتركةِ, ففي حالِ تعارضِ المصالحِ الداخليةِ بالخارجيةِ تُقدمُ المصالحُ الداخليةُ عليهَا, حتى لو كانتْ على أساسِ تقليصِ نسبةِ البطالةِ في الولاياتِ المتحدةِ, أو خفضِ أجورِ اليدِ العاملةِ أو التساوي في المَصالحِ التجاريةِ والتقليلِ مِن نسبِ الأرباحِ مع الشركاءِ كمَا حصلَ في تجارةِ دولِ المحيطِ الهاديء !!!

ومِن هنَا أنبثقتْ لنَا بدلِ قرارِ جاستَا الذي أخيطَ على مقاسِ الدولِ الخليجيةِ والعربيةِ عموماً, عشرارتِ القراراتِ التي تعاملُ العالمَ بالمثلِ, ولكنَّ فرقِ الأولِ عن الأخيرِ أنَّ الأخيرَ لا ينتهكُ سياساتِ الدولِ السياديةِ ولا المعاييرِ الداخليةِ, بينمَا لا يُعيرُ للمصالحِ المُشركةِ الثنائيةِ أيَّ قيمةٍ, بل يتعاملُ مع الشأنِ الخارجي بطريقةِ الإنفرادِ والتفردِ في إتخاذِ القراراتِ  !!!

#وهذا :
مَا أشرتُ إليهِ سابقاً في المقالِ الموسومِ بِــــ : (#ترامب ... المَنْصورُ بالرعبِ), بتاريخِ -2016/11/12- حيثُ بينتُ خلالهُ أنَّ :
 (وهنا تتوفرُ فرصةٌ ذهبيةٌ كبيرةٌ جداً لهذا الرئيسُ, حيثُ أنَّ عنصرَ المفاجئةِ التي تسلمَ بهَا مقاليدَ الحكمِ, وعدمَ إمتلاكهِ سيرةٍ سياسيةٍ معروفةٍ عندَ المراقبينَ, جعلتْ البابَ مفتوحاً على مصراعيهِ للسيناريوهَاتِ المحتملةِ التي سيقدمُ عليهَا في المستقبلِ, بل إنَّ عنصري المفاجأةِ والخشيةِ ستبقيانِ مستحكمةً في أذهانِ كلِّ قياداتِ العالمِ, لأنَّ بوصلةَ هذا الرجلِ غيرِ معلومةِ الإتجاهِ, لذا فلهُ أن يختارَ فريقَ عملهِ وأفرادَ حكومتهِ بنفسِ المقدارِ مِن الغموضِ, بحيثُ ستكونُ هذهِ الحكومةُ الجديدةُ أشبهُ بالثقبِ الأسودِ والذي مِن الصعبِ أن تُسلطَ عليهِ أضواءُ الإعلامِ لمعرفةِ ما يُطبخُ مِن مؤامراتٍ داخلهَا !!!

ولكَ أن تتخيلَ مقدارَ الخوفِ والخشيةِ والصدمةِ العالميةِ في حالِ لو جَهَلَ ساسةُ العالمِ كلَّ أفرادِ الحكومةِ الأميركيةِ الجديدةِ, فهذا يعني الحاجةَ الى أشهرٍ وربَّمَا سنواتِ لفهمِ كلَّ فردٍ مِن أفرادِ الحكومةِ, بل الى تكرارِ اللقاءاتِ حتى يُعادَ صياغةِ الكثيرِ مِن الثوابتِ المتفقِ عليهَا بينَ البلدانِ مِن طرفٍ وبينَ الإدارةِ الأميركيةِ الجديدةِ مِن طرفٍ آخرٍ !!!

لأنَّ الكثيرَ مِن الثوابتْ المتفقِ عليهَا لا ضمانَ لهَا بعدَ أن يكنَ تاجرٌ ومقامرٌ على عرشِ أعظمِ دولةٍ في العالَمِ, وبالخصوصِ أنَّ الكثيرَ مِنهَا غيرُ ملزمةِ التنفيذِ في الحالاتِ الإعتياديةِ, حيثُ ستكونَ المنفعةُ هي العنصرُ الغالبُ في كلِّ التعاملاتِ مع الخارجِ, ولا وجودَ لمَا يُعرفُ بالدبلماسيةِ الدوليةِ, بل أقلُ مَا يُتَعَاملُ بهِ ما يُعرفُ بالمصالحِ المشتركةِ بينَ الأطرافِ !!!

وحقاً أنَّ الإدارةَ الأميركيةَ ما قبلَ ترامبَ الرئيسِ الجديدِ, هي ليستْ الأدارةَ ما بعدَ ترامبَ, لأنَّ كلَّ السياساتِ كانتْ معلومةً مِن قبلِ السياسيينَ عن كلا الحزبينِ, فبمجردِ صعودِ أحدِ أفرادِ الحزبينِ مِمَن شغلَ منصباً سياسياً أو سيادياً سابقاً, سيكونُ سياستهُ مكشوفةً ومتوقعةً إتجاهُ العالمِ الخارجي, بينَمَا أن يصلَ الحالُ الى شخصٍ لا يُرى خارجَ ملاعبِ الكولفِ والأبراجِ الناطحةِ للسحابِ والسهراتِ الصاخبةِ المغلقةِ على نفسِهَا, هنَا سيضطرُ الكلُّ الى إعادةِ صياغةِ الكثيرِ مِن الثوابتِ أو تأكيدِ الإتفاقِ عليهَا !!!

وهذا ماجعلَ العالمَ الخارجي وبشكلٍ ملفتٍ للنظرِ, في حالةِ ذهولٍ وصدمةٍ وصعقةٍ كبيرةٍ جداً, بل لَم يتوقعْ أولئكَ السياسيونَ الكبارُ والمؤثرونَ في المشاهدِ السياسيةِ العالميةِ -مِن حيثُ التدخل الإستخباري والإعلامي والمالي لتغييرِ قناعةِ الشعوبِ في رؤسائهَا لغرضِ إنتخابِهِم- فوزَ هذا الشخصِ على الإطلاقِ, لأنَّهُم كدسوا الأموالَ والإعلامَ لفوزِ منافستهِ هيلاري كلينتون, لا لشيءٍ سوى أنَّهَا معلومةَ السيرةِ والتحركِ السياسي في المستقبلِ, بل مِن الراجحِ عندَهُم ما لو تسنى لهَا الحكمُ لمَا غايرتْ الكثيرَ مِن خطى السابقينَ عليهَا مِن الجمهوريينَ والديمقراطيينَ ...

بل إنَّ ما بُذِلَ مِن أموالٍ مِن قبلِ الكثيرِ مِن الدولِ العظمى في العالمِ, لا حباً بكلنتونَ أن تكونَ رئيسةً, بل خوفاً مِن المجهولِ ومِن قراراتِ الرئيسِ المجهولِ وغيرِ معلومِ التصرفِ والتفكيرِ والحالةِ النفسيةِ, وهذا ما يَجعلهُم في حالِ ترقبٍ ووجلٍ شديدينِ, بل وصلَ بهِم الحالُ الى إستعجالِ عقدِ اللقاءاتِ معهُ للتأكدِ مِن خطوطهِ العريضةِ التي أتفقوا عليهَا عبرَ عقودٍ !!!

وكمَا بينَا سابقاً أنَّ السياساتِ الأميركيةِ مرسومةٌ مسبقاً ولعشراتِ السنينَ, وليسَ لهذا الرئيسِ الإ العملِ بمضمونِ الكثيرِ مِنهَا, مع تركِ فسحةِ عملٍ لهُ, والتي مِن خلالِهَا سيشعرُ العالمُ بأنَّهُ رئيسٌ فعليٌ للعالمِ بأسرهِ ...

ولكنَ هذهِ السياساتُ لا تصبُ أهتماماً على الرؤى الداخليةِ للبلادِ بقدرِ ما تهتمُ الى الرؤى الخارجيةِ لهَا, فمثلاً لا تهتمُ بطبيعةِ العلاقاتِ بينَ الإتحادِ الأوربي مِن جانبٍ والأميركيةِ مِن جانبٍ آخرٍ, ولا بعلاقةِ أميركا بإسرائيلِ, بقدرِ ما لهَا مِن رؤى تخصُ العولمةَ والسيطرةَ على العالمِ بأسرهِ, والحفاظَ على الأمنِ القومي والتقدمِ العسكري, وما يرتبطُ بهَا !!!

وهذا الشيءُ الذي لَم يلتفتْ لهُ الكثيرُ مِن المحللينَ والكُتابِ, وهو أنَّ ما يُرسمَ مِن السياساتِ لا تقيدُ كثيراً التحركَ الرئاسي بحيثُ يصل الى مرحلةِ الموظفِ في الحكومةِ أو الإدارةِ, بل هنالكَ عدةُ ملفاتٍ تبقى مِن صلاحيةِ الرئيسِ العملِ عليهَا, وهي لا تقلُ أهميةٌ عن تلكَ التي تبقى محجوبةً عنهُ طيلةَ فترةِ رئاستهِ, بل تُعدُ وتوكلُ الى الرئيسِ القادمِ في الفترةِ الإنتخابيةِ القادمةِ !!!

ولكن للجانبِ الأميركي الكثيرُ مِن الخياراتِ التي سيمتلكُهَا بعدَ حصولِ هذهِ الصدمةِ العالميةِ بإنتخابِ عقاري وتاجرٍ كرئيسٍ أميركي, حيثُ يُمكن للوكالاتِ الإستخباريةِ وفريقِ المستشارينَ المخضرمينَ, الذينَ تخرجَ على أيديهِم الكثيرِ مِن رؤساءِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ, أن يُشيروا على الرئيسِ الكثيرَ مِن الملفاتِ التي تتناسبُ مع هولِ هذهِ الصدمةِ, حيثُ عاملَ الوجلِ والخوفِ المستحكمِ مِن ما سيقدمُ عليهِ هذا الرئيسُ, سيجعلُ العالمَ في حالةِ صمتْ دولي أمامَ الكثيرِ مِن الخطواتِ الخطرةِ مستقبلاً, فللإستشاريينَ أن يُحركوا الكثيرَ مِن هذهِ الملفاتِ التي حركُوهَا بعدَ أحداثِ الحادي عشرِ مِن سبتمبرَ !!!

بل إنَّ أي تحركٍ رئاسي جديدٍ سيجعلُ العالمَ الغربي والشرقي يُعيدَ إصطفافهُ مِن جديدٍ مع الجانبِ الأميركي أيضاً, وهذا الإصطفافُ لا يُمكن الحصولَ عليهِ مع رئيسٍ معلومِ السيرةِ والتوجهِ والسياسةِ ...

فمَا لو فكرتْ أميركا أن تعيدَ رسمَ خارطةِ السياسيةِ والعسكريةِ في العالمِ بأسرهِ, بعدَ أن سأمتْ الخارطةَ القديمةَ, فعليهَا أن تحركَ تلكَ الملفاتِ التي أعدتْ مسبقاً لهذا الغرضِ, مع رمي الرئيسِ بهذا التحولِ السياسي والإنعطافِ الدبلماسي الكبيرِ, بل إستغلالُ صفةِ الخوفِ والخشيةِ المسيطرةِ على العالمِ !!!

وبالخصوصِ أنَّ هنالكَ عدةُ مقوماتٍ لهذا التحولِ السياسي والدبلماسي الأميركي, وهو أنَّ غالبيةَ مَن سيطرَ على مقاعدِ الكونكرس هُم مِن الجمهوريينَ, وهذا يعني أنَّ الرئيسَ ترامبَ سوفَ لا يخوضَ جولاتِ مفاوضاتِ معهُم لإستحصالِ بعضِ القراراتِ المنسجمةِ مع هذا التغييرِ, بقدرِ ما يحتاجُ الى إرضائِهِم وإقناعِهِم, أي أنَّ مهمةَ ترامبَ ستكونُ سهلةً بشكلٍ كبيرٍ ما لُو قِيستْ بمرحلةِ الرئيسِ أوباما, الذي كانَ يضعُ نصبَ عينيهِ المعارضةَ في مجلسي الشيوخِ والبرلمانِ !!!

وبالمقابلِ أنَّ هنالكَ الكثيرَ مِن الملفاتِ التي سوفَ ترسمُ للرئيسِ ترامبَ خطواتهُ القادمةَ, وسيكونُ هذا الرئيسُ مجبراً على تكملةِ المشوارِ قدماَ, بل مع إستعمالِ ما يملكهُ مِن الرهبةِ في قلوبِ الساسةِ والرؤساءِ في العالمِ ...

يعني أنَّ الدعوى عدمِ قدرةِ الرئيسِ على التحكمِ التامِ بمقاليدِ الحكمِ والتحركِ بحريةٍ تامةٍ, هي دعوى صحيحةٌ وبشكلٍ كبيرٍ, ولكن هذا لا يعني أنَّ الإستشاريينَ سيفرضونَ على الرئيسِ هذهِ الستراتيجياتِ المستقبليةِ, وهو سيكونُ ملتزماً بهَا وبفعلِهَا, وفيما لو تخاذلَ عن إمتثالِهَا سيكونُ رئيساً فاشلاً ومهدداً بالإقالةِ, طبعاً لا !!!

فمثلاً إذا كانَ الهدفُ المنشودُ هو إعادةَ رسمِ خارطةِ الشرقِ الأوسطِ مثلاً, وهذا الهدفُ يحتاجُ الى عدةِ سنينَ لا تسمحهَا الولايتانِ معاً, فيُتركُ أمرَ الإكمالِ الى الرئيسِ التالي لإكمالِ المخططِ المتفقِ عليهِ, بل إنَّ أمرَ الإكمالِ سيكونُ خياراً لابدَ مِنهُ, بل وخيارُ تركهِ سيكونُ خياراً رمادياً بطبيعةِ الحالِ !!!

وبهذهِ الطريقةِ سوفَ لا ينقضُ الرئيسُ الجديدُ عملَ القديمِ أبداً, بل وكأنمَا يسيرونَ عبرَ مئاتِ السنينَ لتنفيذِ نفسِ المخططِ, ولكنهُ بالحقيقةِ أمرٌ لابدَ مِن فعلهِ يُلقى على عاتقِ الرئيسِ الجديدِ إكمالهُ, وبهذهِ الطريقةِ يُستعبدُ الرئيسُ كسابقيهِ عندَ مؤسسةِ الرؤيا المستقبيلةِ في أميركا, وأمَا أمرُ الأمورِ الأخرى فتتركُ للرئيسِ عملُهَا بشرطِ أن لا تتعارضُ مع النظرةِ العامةِ الواجبِ على الرئيسِ عملهَا ...),     #إنتهى_الإقتباسُ ...

#وهنَا :
جعلتْ الإدارةُ الأميركيةُ العالمَ يمرُ بنعطفٍ حادٍ جداً, لا يُمكن لأمهرِ القياداتِ السياسيةِ والعسكريةِ أن يخرجُ منهُ بسلامٍ أبداً, فالإنهيارُ العالمي سيكونُ سيدَ المَشهدِ الجديدِ بأحسنِ الأحوالِ !!!

قد أدركتْ الإداراتُ الأميركيةُ مُتأخراً, أنَّ بقاءَ العولمةَ بأيدي عدةِ دولٍ عظمى بقاءاً شكلياً إعلامياً, فلو إجتمعتْ هذهِ الدولُ برمتِهَا على أن تحلَ أبسطَ الإشكالياتِ الحاصلةَ في المنطقةِ والعالمِ لمَا إستطاعتْ, بدونِ تدخلِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ, لأنَّ هذهِ الدولَ إعتادتْ أن تتعاملَ مع عالمٍ أحادي الطرفِ والقيادةِ, وإن طغَتْ على المشهدِ الإعلامي طاولاتٌ مستديرةٌ نُصِبَتْ لغرضِ الحوارِ, ولكنَ الحقيقةَ خلافُ ذلكَ بالمرةِ, حيثُ أنَّ هذهِ الطاولاتِ وُضِعَتْ لِمضيعةِ الوقتِ لعدةِ ساعاتِ, للخروجِ بعدَهَا بقرارٍ أميركي الصياغةِ أوربي الإفصاحِ عالمي التغطيةِ !!!

وبعدَ أن إعتادَ العالمُ بعدَ الحربِ العالميةِ الأولى خصوصاً طريقةَ الإصطفافِ العالمي, فَقَدْ فَقَدَ الكثيرَ مِن القياداتِ السياسيةِ والعسكريةِ الحصيفةِ, بل إنكمشَ الى مرحلةِ الدولِ الإقليميةِ والمنكفئةِ على الداخلِ, وبهذهِ الطريقةِ فقدَتْ الدولُ العظمى الكثيرُ مِن هذهِ القياداتِ القادرةِ أن تُخططَ على مُستوى العالمِ عسكرياً وإقتصادياً وسياسياً ...

وهذا الكلامُ ينطبقُ حتى على الجانبِ الروسي أيضاً, فإنَّ الحكومةَ الروسيةَ باتتْ لا يُمكنُ لهَا أن تتعاملَ مع مشاكلٍ عالميةٍ مُنفصلةٍ لا رأسَ لهَا ولا مُحورَ, بل أنَّ المحاورَ باتتْ بعددِ المَشاكلِ الدوليةِ والعالميةِ, وهذا الضعفُ في السيطرةِ على هذا المشهدِ العالمي المُتصاعدِ جاءَ نتيجةً لإعتيادِ قياداتِهَا على التعاملِ بطريقةِ العولمةِ الأميركيةِ أيضاً ...

فإنَّ الحكومةَ الروسيةَ وأن أنكرتْ أحاديةَ القطبِ والسيطرةِ على العالمِ, ألا أنَّهَا كانتْ تؤمنُ بهِ الى حدِ الإعتقادِ بهِ, لأنَّ أغلبَ المشاكلِ العالميةِ التي توالتْ عليهَا وعملتْ عليهَا, كانتْ لا تُحَلُ إلا بالوساطةِ الأميركيةِ, لأنَّ خيوطَ المشاكلِ العالميةِ تنتهي أطرافُهَا الأخرى في تلكَ الجزيرةِ المحصنةِ مِن نهايةِ العالمِ, والتي تُعرفُ بأميركا !!!

لذا فقدتْ الدولُ المتقدمةُ والعظمى أغلبَ خبراتِهَا السياسيةِ والعسكريةِ لإدارةِ الأزماتِ العالميةِ, وإعتمدتْ جميعهَا على الإداراتِ الأميركيةِ في تسييرِ شؤنِ العالمِ بأسرهِ, وهذا مَا أبقى الأدارةُ الأميركيةُ بنفسِ القدرةِ والسيطرةِ والسطوةِ العالميةِ, بل أنَّ خبراتِهَا أزداتْ حيثُ توقفتْ الدولُ العظمى عن التفكيرِ في قيادةِ العالمِ والى هذهِ اللحظةِ مِن الكتابةِ !!!

#لذا ...
أتمنى على المتابعينَ أن لا يَنظروا الى المشهدِ السياسي العالمي والإحتقانِ العسكري على أنَّهُ مِن الأزماتِ البسيطةِ والتي ستحلُ قريباً, بل أنَّ إعتيادَ الدولُ على أميركا في القيادةِ والتفاوضِ جعلهَا إتكاليةً بامتيازٍ, وما أن تسحبَ أميركا يدِ المُساعدةِ عنهَا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً, حتى تَتْداعَ الكثيرُ مِن هذهِ الدولِ بالسقوطِ واحدةً تلو الأخرى, وأسرعُ مِن إنهيارِ التسلسلِ في قطعِ الدومينو !!!

وإنَّ ما يَمرُ بالمنطقةِ العالمِ يكونُ مِن الصعبِ عند الدولِ التفكيرِ في إعادةِ الإصطفافِ مرةً أخرى, لأنَّ عملياتِ الإصطفافِ هذهِ تحتاجُ الى عشارتِ الجولاتِ التفاوضيةِ, والى مئاتِ البنودِ الإتفاقيةِ, والى فضِ الشراكاتِ مع الإرتباطاتِ كافةً, وكلُّ هذهِ العناصرِ مجتمعَةً تحولُ دونَ التفكيرِ في إعادةِ الإصطفافِ !!!

مع إن ميزانَ القوى العالميةِ الحقيقيةِ سيبقى بيدِ الجانبِ الأميركي, فبمجردِ أن تلوحُ بطرفِ يدِهَا الى أيِّ دولةٍ مِن الدولِ المُجتمعةِ, سترجعُ إليهَا مسرعةً, وهذا سيهددُ كلَّ الإتفاقياتِ في حالةِ أن يُرادَ أبرامُهَا قريباً !!!

#وهنَا_أتوقعُ_جداً :
أنَّ أميركا تُفَكِرُ فِي إنهاءِ المُجتمعِ الدولي سياسياً ولو بشكلٍ جزئي, بحيثُ تتعاملُ مع دولِ الأعضاءِ فيهِ على أنهَا ولاياتٌ أميركيةٌ خارجُ الحدودِ الإداريةِ للدولةِ, لأنَّهَا رأتْ الفرصةَ مؤاتيةً جداً لإعلانِ ضَمِ العالمِ الأولِ الى إدارتِهَا السياسيةِ, لأنَّهَا تكونُ مغبونةً حقاً في حالِ أن أصرتْ الدولُ العظمى على معاملتِهَا على أنهَا دولةٌ عظمى فقط, وليستْ المالكَ الحقيقي والربَ الحقيقي وولي النعمةِ على سائرِ الأنظمةِ في هذا الكوكبِ !!!

وهذا الشعورُ بالغبنِ آنَّ الأوانَ لأن تُفصِحَ عنهُ هذهِ الإدارةُ الجديدةُ عملياً لا قولياً, وللعاقلِ أن يَفهمَ ويعي هذا التصرفَ, لأنَّ طرقَ الإيحاءِ بالأهدافِ ستحافظُ نوعاً ما على ماءِ الوجهِ الحكوماتِ أمامَ شعوبِهَا, فالإيحاءُ بدلاً مِن التصريحِ لضمانِ هذا الجانبِ مع ضمانِ المراوغةِ الإعلاميةِ والسياسيةِ في حالِ أن فُتِحَ هذا الملفُ على الإعلامِ علانيةً !!!

#ولا بأسَ ...
أن أشرَ الى أمرٍ مهمٍ جداً وهو :
 أنَّ سياسةَ عَقْرِ الأضاحي بلا موجبٍ, وأي أضَاحي؟  تلكَ التي تحالفتْ مُنذُ عقودٍ مع هذهِ الإداراتِ, كفيلةٌ أن تجعلَ الخصومَ في حالةِ ترقبٍ دائمٍ الى مَا ستؤولُ لهُ الأمورُ في قابلِ الأيامِ, فلا مَقدسٌ عندَ هذهِ الإدارةِ الجديدةِ أبداً, لأنَّهَا بدأتْ بالقريبِ قبلَ البعيدِ, وبالصديقِ قبلَ العدو, وليسَ لأحدٍ أن ينطقَ ببنتْ شفةٍ حتى العدو للإدارةِ الأميركيةِ الأزلي روسيا, لأنَّ نطقهَا بأي عبارةٍ سيجعلَ الرئيسَ ترامب يُغيرُ وجهةَ نظرهِ على الجانبِ الروسي, أو يُعجلُ بالتحركِ عليهَا, وهذا مَا لا يَرغبُ بهِ الجانبِ الروسي !!!

فإنَّ صعودَ ترامب الى سدةِ الحكمِ الأميركيةِ لم يُشكلْ صدمةً أوربيةً فحسب, بل شكلَ خوفاً روسياً كبيراً بعدَ ذلكَ, لأنهُ من الحقِ أن يفرحَ الجانبُ الروسي بإنهيارِ حلفِ الناتو والإتحادِ الأوربي, لأنهُ يعني أنهيارَ أكبرَ تحالفينِ عسكري وإقتصادي في العالمِ, بل الأوحدِ على الإطلاقِ, ولكن مِن دواعي الخوفِ الحقيقيةِ أن تتوافرَ مقدماتُ الفلتانِ والإنهيارِ العالمي بشكلٍ مفاجيءٍ وبغضونِ أيامٍ قلائلٍ, وهذا السيناريو الذي لَم يخطرْ على بالِ أي حصيفٍ مِن السياسيينَ العالميينَ !!!

لأنَّ الإنهيارَ الكاملَ للبُنَى الدوليةِ والأعرافِ الأمميةِ, سَيُعيدُ صياغةَ العالمِ بطريقةٍ مُختلفةٍ عمَا تعارفَ عليهِ العالمُ بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ مباشرةً, وهذا التشكلُ الجديدُ سيجعلُ الخارطةَ الجغرافيةَ والسياسيةَ والإقتصاديةَ على غيرِ مَا هي عليهِ سابقاً ...

وليسَ لأحدٍ القولَ :
 إنَّ الصطفافَ الجديدَ سيُرجعُ العالمَ بنفسِ الهرميةَ المتعارفةَ عليهَا اليومَ, لأنَّ القوى ذاتُ القوى لم تتغيرْ ولم تتبدلْ, ولا يُتوقعُ أن تنتقلَ دولٌ مِن العالمِ الثالثِ الى الصدارةِ ولا أخرى مِن الصدارةِ الى العالمِ المتخلفِ !!!

لانَّهُ يقالُ :
 إنَّ جلَّ مَا نراهُ اليومَ مِن الهرميةِ السياسيةِ والعسكريةِ كانَ نتاجَ حربِ العالميةِ الثانيةِ, حيثُ كانتْ الأحلافُ مبنيةً على أساسِ المصالحِ المُشتركةِ الآنيةِ, وليستْ على الأحلافِ مَا قبلَ الحربِ بعقدٍ أو عقدينِ مِن الزمنِ, بينمَا بعدَ أن وصلتْ القدراتُ العسكريةُ والإقتصاديةُ والسياسيةُ على مَا هي عليهِ اليوم, فليسَ مِن اللازمِ أن تنتجَ نفسَ تلكَ الهرميةَ السابقةَ بعدَ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ, لانَّ معاييرَ القوى قد تغيرَ وميزانِ السياسةِ قد أكتملتْ ملامحُهُ النهائيةُ, فلا بدَ مِن هرميةٍ جديدةٍ تقبعُ الإدارةُ الأميركيةُ في كلٍ مفصلٍ مِن مفاصلِهَا !!!

وإنَّ الهرميةَ السابقةَ كانتْ نتاجَ حروبٍ مدمرةٍ أودتْ بحياةِ عشارتِ الملايينَ مِن البشرِ, وإنَّ العقليةَ المُتفتقةَ هي ذاتُهَا تُفكرُ بذاتِ الطريقةِ لإعادةِ الإصطفافِ, فإنسحابُ الإدارةِ الأميركيةِ مِن الإتفاقياتِ الدوليةِ, سيجعلُ العالمَ يعيشُ تلكَ الأجواءَ التي سبقتْ الحربينِ العالميتينِ, ويعيدُ الى الأذهانِ تلكَ الصورُ المروعةُ مرةً أخرى !!!

#وأمَا ...
الإدارةُ الأميركيةُ فليستْ بحاجةٍ الى دولٍ إتكاليةٍ تُكلفُهَا المئاتُ مِن الملياراتِ سنوياً لغرضِ حمايتِهَا, بينمَا تُشاطرُهَا الرأيَّ والقرارَ الدوليينِ, بل أنَهَا ربَّمَا تكتفي برعايةِ بعضِ الدولِ المعنيةِ لرسمِ وتمريرِ خارطاتِهَا المستقبليةِ, بدونِ أدنى صرفيةٍ أو إنفاقٍ يُذكرُ, بل تُعيدُ الى الأذهانِ أنَّ الحروبَ لهَا جدوى إقتصاديةٌ مباشرةٌ مِن خلالِ التحالفِ والمشاركةِ العسكريةِ والسياسيةِ ...

ومِن هنَا رأينَا كيفَ إتجهَ الرئيسُ ترامب الى دولِ الخليجِ عموماً, لإشراكِهِم في قضيةِ المنطقةش العازلةِ في شمالِ سوريا, لأنَّ المنطقةَ العازلةَ تحتاجُ الى المئاتِ مِن الملياراتِ, والتي لا تُدفعُ إلا مِن الجيبِ الخليجي والتركي هذهِ المرةِ, لأنَّهُمَا المعنيانِ مِن هذهِ المنطقةِ العزلةِ في شمالِ سوريا, لا لأنَّ الإنفاقَ جاءَ على نحو المصلحةِ الخليجيةِ التركيةِ فيهَا, بل أنَّ المصلحةَ مشتركةٌ بينَ كلَّ دولِ العالمِ المُهددِ مِن الخطرِ السوري, لكن على الجانبِ الخليجي والتركي أن يُغطي نفقاتِ هذهِ المنطقةِ رغماً عن أنفهِ وبلا نقاشٍ !!!

فأميركا اليومَ بحاجةٍ الى أرصدةٍ مفتوحةٍ في البنوكِ العالميةِ, ليسَ الى معادنٍ تنتظرُ مَن يستخرجهَا أو ينقبُ عن وجودِهَا, وحقاً أنَّ هذهِ الرصدةَ لا وجودَ لهَا إلا في المناطقِ العربيةِ الخليجيةِ, حيثُ تُطيعُ الإدارةَ الأميركيةَ بدلاً مِن المجتمعِ الدولي الذي إعتادَ جولاتِ النقاشِ والتفاوضِ والأشهرِ لإستحصالِ أسهلِ القراراتِ ...

#لذا ...
ستجدُ الكثيرُ مِن الدولِ الأوربيةِ نفسهَا بعيدةً عن مُشاطرةِ القرارِ الأميركي المُتخذِ في المنطقةِ, بينمَا سوفَ نرى أنَّ الدولَ العربيةَ سَتَدخلَ المُعتركَ بنفسِهَا هذهِ المرةِ, وهنَا ستنعزلُ الكثيرُ مِن الحكوماتِ العالميةِ عسكرياً وسياسياً, بينمَا ستأخذُ الحكوماتُ العربيةُ دورهَا في ذلكَ ...

وهذهِ كلُّهَا مؤشراتٌ على المروقِ الغربي الشرقي في المنطقةِ, لأنَّهُ ليسَ مِن المعقولِ أن تقفَ الكثيرُ مِن الدولِ على التلِ وهي ترى نفسهَا خارجَ اللعبةِ السياسيةِ والعسكريةِ, بل ليسَ مِن العقلِ أن ترَ كيفَ يُنهبُ الهلالُ الخصيبُ أمامَ عينيهَا وهي بالأمسِ مَن قسمَ هذا الهلالَ الى دويلاتٍ صغيرةٍ, ولذا رجحتُ أن فرنسا هي التي ستمرقُ مِن دولِ الغربِ أو بريطانيا, واللهُ تعالى العالمُ بحقيقةِ الأمورِ وفي مستقبلِ الدهورِ, ولا قوةَ إلا باللهِ العلي العظيمِ ...

وأسألكُم الدعاءِ ...
د. مهند جاسم الحسيني