الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

مُنْتَهَى الآثَارِ فِي كَشِفِ الأَسْرَارِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)

#الحلقةُ_الأولى :
(الحَقَائقُ المَخْفِيَةُ مِنْ زِيَارَةِ السُعُودِيَةِ) ....

كَم يستصغرُ الإنسانُ نفسهُ عندمَا يرى أنَّ التأني عندَ الأعداءِ يأتي ثمارهُ وبِأفضلِ ممَا يتوقعهُ نفسُ العدوِ, عندَهَا نعلمُ أنَّ مَن يُروجونَ لأنفسِهِم أو لغيرهِم أنَّ زمامَ المبادرةِ بأيديهِم, هُم أغبى الأغبياءِ, وأكثرُ عجلةً مِن الشيطانِ الرجيمِ !!!

وكَم أردنَا أن نُقَرِمَ الأحداثُ على مقاساتِ كتاباتِنَا وتحليلاتِنَا ورؤيَتِنَا للمستقبلِ, حتى أذا جاءَ الواقعُ على خلافِ مَا نشتهي, لَم نفكرْ أن نسألَ اللهَ العلي الأعلى العفوَ والمَغفرةَ, وأن يُزيدنَا مِن فضلهِ, بل نتمنى أن نرَ الأناسَ أشلاءً مُتناثرةً حتى تتحققَ جملةٌ ممَا كتبناهَا !!!

وبالمقابلِ كيفَ نشعرُ بالفخرِ والسرورِ والنشوةِ والسعادةِ, عندمَا نعلمُ أن الكثيرَ ممَا كتبتْ أقلامُنَا, وأصدرتْ صُحُفُنَا قد جاءَ كمَا رأينَا, وقد تحققَ الكثيرُ ممَا حذرنَا منهُ الأهلُ والأحبةُ, وبالتالي حافظنَا على الكثيرِ ممَن تابعَ كتاباتِنَا وطالعَ نشرنَا, وهنَا تحققَ الكثيرُ ممَا رغبنَا بتحقيقهِ وطمحنَا للوصولِ إليهِ ...

#وهنَا :
لابدَ مِن تسجيلِ العتبِ على الكثيرِ مِن المثقفينَ مِن كتابٍ وصحفيينَ ومحللينَ ومهتمينَ ومتابعينَ, لمَا رأينَاه ورأه الكثيرُ كيفَ لم يستطيعوا التعاملَ مع الأزماتِ التي عصفتْ بالشارعِ العراقي خصوصاً, بل إكتفوا بالبهتانِ ولعبِ دورَ المهرجينَ والممثلينَ التهكميينَ ليظهرَ بطلانَ المقابلِ وفسادَ عملهِ وخيانتهُ لوطنهِ وشعبهِ وتراثِ عائلتهِ !!!

حيثُ نحى الكثيرُ مِن المعتمدِ عليهِم الى هذهِ الطريقةِ, وحاولوا تهديمَ صنميةَ الآخرِ بهذهِ الطريقةِ في صدورِ أتباعهِ, وإستعجالاً منهُم في أمرِ اللهِ تعالى مجدهُ وعلا ذكرهُ, ناسينَ ومُتناسينَ أن المقابلَ الخائنَ والمنافقَ والدجالَ والبائعَ لعرضهِ ووطنهِ بأبخسِ الأثمانِ, يُمكن أن نُسقطهُ مِن شاهقِ الكرامةِ ومِن مرتفعِ القداسةِ وعلياءِ الموروثِ العائلي, بمجردِ أن نظهرَ حقيقتهُ أمامَ الملأ كمَا هي, مِن دونِ الحاجةِ الى الخوضِ بالعروضِ المسرحيةِ والتهكميةِ ووسائلِ الإبهاتِ لهُ !!!

فمثلاً كانَ مِن الواجبِ علينَا أن نعيدَ الكثيرَ ممَا نُشِرَ سابقاً, كشهاداتِ المقربينَ لهُ, والعارفينَ بسوءِ حالهِ, حتى لو نشرنَا ذلكَ ألفَ مرةٍ سابقاً, لأنَّنا مِن المفترضِ بتنَا على إطلاعِ بضعفِ ذاكرةِ العراقيينَ, وسوءِ حفظِهَا, ممَا يستدعي أن نكررَ الكثيرَ ممَا نشرناهُ بينَ الفينةِ والأخرى !!!

وحقاً كانَ مِن الواجبِ علينَا أن نربي العراقيينَ خلالَ تلكَ الفترةِ الوجيزةِ -كمَا في غيرهَا مِن الفتراتِ- على كيفيةِ الإستدلالِ على بطلانِ الآخرِ, وكيفيةِ الرجوعِ بالذاكرةِ الى الوراءِ مع تقريرِ ذلكَ, لأنَّ الإستغلالَ الفرصةِ الملائمةِ ليسَ فقط على نحو إستهدافِ الخصومِ, بل أنَّ الفرصةَ في الغالبِ تكونُ ملائمةً لتربيةِ المجتمعِ, خصوصاً فيمَا لو كانَ العدو مشتركاً, والمصلحةُ عامةً .
ولكن ماذا أقولُ وماذا أعبرُ وماذا أحكي, عندمَا نرى الغباءَ هو الصفةُ السائدةُ والغالبةُ في المجتمعِ, فالكثيرُ حفظَ النصَ بإنتهازِ الفرصةِ وسرعةِ تلاشيهَا, والعمومُ لَم يرعاهَا كمَا حفظها !!!

#وكمَا_تعودنَا :
أن نكونَ أخرَ مَن يدلو بدلوهِ, خصوصاً بعدَ أن يهرعَ الجميعُ تقريباً للكتابةِ والتحليلِ, وحتى لا يضيعُ الغثُ مع السمينِ, نضطرُ الى تأخيرِ ما نعتقدُ بهِ وبمطابقتهِ للواقعِ, حتى نتركَ مساحةً واسعةً للتفكيرِ والأخذِ والردِ, وبالأخصِ عندمَا رأيتُم كيفَ فرَ الكثيرُ منهُم من ساحةِ المواجهةِ الفكريةِ وسوحِ النتِ, بحجةِ أن قائدَهُم أمرهُم بالإنسحابِ وتركِ المحاججةِ, ولكنَهُ عَلِمَ أنَّ حجتهُم داحضةٌ أمامَ سيلِ الأدلةِ والإتهامتِ التي كانَ مِن الواجبِ عليهُم ردُّ ولو بعضِهَا, فلو كتبنَا في حينِهَا لم يصلْ المرادُ الى أتباعهِ ومقلديهِ, والخيرُ فيمَا وقعَ بحمدِ اللهِ ربِ العالمينَ ...

#وبالتأكيدِ :
أن الكشفَ عن النِقابَ سوفَ لا يؤخرُ قدراً قد خطهُ القلمُ, ولا يُقدمُ أجلاً لم تنتهِ مُدَتَهُ, وهذا مَا رأيناهُ في الموروثِ الروائي لأهلِ بيتِ العصمةِ ومنزلِ الوحي ومهبطِ الملائكةِ عليهِم وعلى جدهِم الصلاةُ والسلامُ, حيثُ حذروا مِن فتنِ آخرِ الزمانِ, ومِن فقهاءِ السوءِ, ومِن شذاذِ آلِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), بل وقد وضعوا النقاطَ على الحروفِ وكأننَّا نرى ذلكَ في أُمِ أعينِنَا, ولكن هل إستفادَ الناسُ من تلكَ الأخبارِ, وعملوا بتلكَ الآثارِ, وإعتبروا الكثيرَ مِنهَا سُراً مِن الأسرارِ ؟!!!

وهنَا يتحققُ التبشيرُ والتنذيرُ المباشرينِ مِن نفسِ الرسولِ المختارِ والهِ الأطهارِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), بل وتتحققُ المعجزاتِ على أيديهِم لإقناعِ المقابلِ, لأنَّ الإخبارَ عن أمورِ آخرِ الزمانِ, بمنزلةِ الإخبارِ عن الغيبِ الذي تقومُ بهِ الحججُ, ويستحقُ عليهَا المقابلُ الثوابَ والعقابَ ...

وبالتالي مَن أنكرَ مَأثرَ الرسولِ وأبناءِ أبنتهِ البتولِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) بعدَ غيابِهِم, سيانِ مع مَن أنكرَ الرسالةَ في حياتِهِم, فلا عجباً أن يكونَ بينَ ظهرانينَا مَن قاتلَ الحسينَ بنَ علي (عليهِمَا السلامُ), ويُحشرُ على عقبيهِ يومَ القيامةِ, وهو لَم يرمي سهماً, ولم يؤشرْ برمحٍ !!!

والأعجبُ مِن ذلكَ, فإنَّ نفسَ عناصرَ الحجةِ تحققتْ على مَن عاصرَ الإئمةِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) مِن خلالِ الحديثِ, فكيفَ لا يكونَ ذاتهُ حجةً على غيرِهِم بعدَ ذلكَ, وإلا مَا الطائلُ مِن نقلِ الأخبارِ, والإجتهادِ في جمعِ الآثارِ, والتفننِ في تبويبِهَا وإخراجِهَا, وحفظِ أمتونِهَا بأسانِدِهَا !!!

فالحجةُ مقامةً على الشاهدِ منهُم والغائبِ, والحاضرِ والبادي, والسابقِ واللاحقِ, فلا حجةَ بالتأخرِ عن معاصرةِ الأئمةِ الهداةِ, فَمنْ كان العنادُ في التالي طبيعتهُ, كانَ ذلكَ مع المعاصرةِ ديدنهُ, فلا يُخالفُ اللهُ تعالى علمهُ, ولا تتغيرُ بهِ الأحوالُ, ولا تتباينُ عندهُ الآجالُ, فسبحانَ ربِ العزةِ الكبيرِ المتعالِ ...

فوالذي نفسي بينَ يدي رحمتهِ, إن شاءَ أفلتْ, وإن شاءَ إستمسكَ, فلو أنَّ فلاناً الداعي الى ولايةِ أبيهِ بعدَ وفاتهِ, كانَ أبناً للصادقينِ (عليهمَا السلامِ), لوقفَ على طريقتِهِمَا, وكانَ أولَ الشاكينَ والمحاربينَ في إمامةِ الذي بعدَهُمَا, ولما عدا أن يكونَ إماماً للمارقينَ, ورأساً للواقفينَ, وعجلاً للعابدينَ, فمَن سالَ لعابهُ على تقمصِ مقاعدِ المُخبتينَ, فمِن بابِ الأولى أن يسيلَ دمهُ على إمامةِ الأولينَ والآخرينَ !!!

#وهنا_كانَ_في_ودي :
أن أبينَ أمراً مهماً جداً, وهو : إنَّ سببَ إنفلاتِ زمامِ الأمورِ الى درجةٍ جعلتْ سرابيتَ الناسِ يُمكن أن يُنصبوا أننفسَهُم أئمةً للمسلمينَ, وقادةً للمساكينَ المُرْجَفينَ,  وولاةً على أحكامِ الدينِ, هو بسببِ تصدي مَن ليسَ أهلاً للقيادةِ الدينيةِ لزمامِ الأمورِ, فعندمَا رأى المرجفونَ أن مَن إدعى منصبَ الإجتهادِ مِن ذوي الكعبِ المنخفضِ, أطمعتْ نفسهُ فيهَا, وركنتْ غريزتهُ إليهَا ...

وهذا يتحملُ كلَّ تبعاتهِ أولئكَ الذينَ سخفوا قيادةَ الناسِ, وسفهوا التصدي الى أمورِ المسلمينَ, حيثُ جعلوا أمرَ إدعاءِ القيادةِ أمراً ميسوراً, فتكثرَ في الناسِ الشقاقِ, وأنتشرتْ بينهُم أفتُ النفاقِ, حتى باتَ أيَّ خطٍ غيرِ مأمونٍ مِن التمزقِ والتشرذمِ والإتقسامِ على نفسهِ, لأنَّ بوادرَ الإنقسامِ حاضرةٌ, وأسبابَ القيادةِ فاعلةٌ, وأركانَ الدعاوى أمامَ الأعينِ ماثلةٌ ...

فضاعتْ بذلكَ هيبةُ الدينِ, وانمحقتْ تعاليمُ سيدِ المرسلينَ, واندرستْ أحكامٌ كانتْ بالأمسِ شواخصاً, ومواطنٌ كانتْ في القريبِ شواهداً, فلَم يبقَ للمذهبِ أساساً إلا هدوهُ, ولا مَعْلَمَاً إلا رضوهُ, ولا ركناً تأوي الأفإدةُ إليهِ إلا سحقوهُ, فضاعتْ بذلكَ الصلاةُ, وفرتْ الوحدةُ على وجههَا في الفلاةِ, فسلاماً على أمةٍ لَم يبقَ مِنهَا إلا أسمُهَا, ومِن وحداتِهَا إلا رسمُهَا, ولا نبثُ حُزننَا وشكوانَا إلا للهِ ربِ العالمينَ ....

فبعدَ أن يرَ الإنسانُ البسيطَ أنَّ قائدهُ ومثلهُ الأعلى غيرَ مستعصماً مِن حرامِ اللهِ تعالى مجدهُ وعلا شأنهُ, وأنَّهُ يخوضُ في الحرامِ خوضَ المغارفِ في أدامِ أبنِ أدمِ, وبعدَ أن يرَ أن الأموالَ الحرامَ يُمكن أن تُذكى برفعِهَا الى جهتهِ, كتذكيةِ الذبيحةِ المترديةِ مِن شاهقٍ, وبعدَ أن يرَ أن المكرَ والخداعَ والنفاقَ والبهتانِ لباساً يُلائِمُ مقاسَ القائدِ, لِمَا مَن اللهُ تعالى عليهِ لزعامةِ القومِ, وبعدَ وبعدَ وبعدَ ....

فكيفَ عندهَا نُطالبُ مِن الناسِ أن يتقوا اللهَ ربَ العالمينَ, بخلافِ مَا رأوهُ وشاهدوهُ وعاينوهُ ونُقِلَ إليهِ عن قادتهِ, وهو يرى أنهُم  حبالُ اللهِ تعالى الى سمائهِ, وأركانُ دينهِ, وعيبةُ عليمهِ, فإن خالفَهُم خالفَ اللهِ تعالى, وإن طابقَهُم وافقَ اللهَ تعالى !!!

#وحتى :
لا يبتعدُ بنَا الحالُ عن عنوانِ المقالِ, وإن كنَا كثيراً ما يَضطرنُا الحالُ أن نعرجَ الى قضايا نعتقدُ وجوبَ طرحِهَا, والتونيهُ الى خفاياهَا, وإن كانتْ الكثيرُ لولا القداسةِ للناسِ باديةٌ ...

نحنُ نعلم أن سببَ إستحكامَ الإسلامَ السياسي على زمامِ الأمورِ في عمومِ البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ, بل حتى على مستوى العالمِ, هو أن السياسيينَ كانوا أكثرَ مكراً مِن الدينيينَ, لأنَّهُم إستطاعوا أن ينزلوا الهرمَ الديني المتعالي الى حدِ القبولِ بأن يُطلَقُ عليهِ بالمؤسسات, إسوةً بباقي المؤسساتِ ...

فثلاً بعدَ أن يُوجهُ الإعلامُ وتُسيرُ رؤوسُ الأموالِ الى صالحِ شخصيةٍ ضعيفةٍ لا تفقهُ مِن الدينِ أبجدياتهُ, ويُجعلُ منهُ مثلاً أعلى في أعينِ الناسِ, فبالتأكيدِ سوفَ يُغرُ الناسُ بهِ, لكثيرِ أموالهِ, ولسعةِ حالهِ, خصوصاً وأنَّ طبيعةَ الإنسانِ تميلُ الى الزينةِ وكثرةِ السعةِ والمالِ, حيثُ قالَ تعالى : (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ...... فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) القصص 79-76 ...

وهنَا سوفَ لا تتعبُ المخابراتُ العالميةُ الى محاربةِ الدينِ بالدينِ والفكرِ بالفكرِ, بل فقط تُهيء لقيادةٍ دينيةٍ وزعامةٍ وطنيةٍ, قبالَ القيادةِ والزعامةِ الحقيقيةِ, وبمَا أنَّ الكلمةُ الفصلِ بيدِ الناسِ, وبيدِ سوادِ الأمةِ, فيمكن لهذا القائدِ المزيفِ والمصنوعِ, أن يدعي أيَّ منصبٍ يشاءُ, لأنَّ الأتباعَ مُعَدَونَ لهُ سلفاً, ولا يحتاجُ بعدَ تهيءِ القاعدةِ غيرَ الدعوى حتى لو كانتْ فارغةً وبلا دليلٍ !!!

بل, لا تبقى دعوى يُمكن أن تضفي القداسةِ على القائدِ المصنوعِ غيرُ ممكنةٍ, فدعوى الإمامةِ والنبوةِ ممكنةٌ, فكيفَ بدعوى الإجتهادِ التقليدِ والأعلميةِ والقيادةِ والنيابةِ عن المعصومينَ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), فبالتأكيدِ لا تصبحُ لهذهِ الدعوى قيمةً تُذكرُ بمنظارِ أتباعهِ, الذينَ أشربَ قلوبهُم العجلَ, حيثُ قالَ تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) القصص 38 ...

وبعدَ أن يدعي مَن بيدهِ المالَ والسلطةَ والسطوةَ والقواعدَ الشعبيةَ منصباً مِن المناصبِ, يوازي تلكَ المناصبِ التي تَبَوَأهَا المستحقونَ لهَا, فبالتأكيدِ سيكونُ المستحقونَ هُم الحلقةُ الأضعفُ بمنظارِ المجتمعِ, والتي سوفَ يُشَكَكُ بهِ وبقيادتهِ, مِن المنظورِ المادي, وهذا ما نراهُ على مستوى القرانِ الكريمِ : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ ..... وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) القصص 38-57 ...

#وهنَا :
سَوفَ تنهارُ الدياناتُ والمذاهبُ, فمثلاً عندمَا نطالعُ كتبَ علماءَ السنةِ والجماعةِ القدماءِ, سوفَ نرى مقدارَ الضحالةِ التي وصلَ إليهَا المذهبُ السني في الفتراةِ التي تلتْ تلكَ العصورِ, بحيثُ لم يتمكنَ هؤلاءِ العلماءُ المعاصرونَ غيرَ إجترارِ نفسِ المعلوماتِ وإعادةِ إخراجِهَا بصيغةٍ جديدةٍ عصريةٍ, بينمَا عجزتْ مؤسساتُهُم أن يأتوا بكتابٍ وحدٍ يُشابهُ ذلكَ التراثَ الموروثَ !!!

ولذا فمعَهُم الحقُ عندمَا يبقى هؤلاءِ البسطاءُ مِن علماءِ المذهبِ السني على تقليدِ أولئكَ القدماءِ مِن العلماءِ, لأنَّ إنهيارَ المؤسسةِ الدينيةِ لدى السنةِ, وصلتْ الى مرحلةِ العجزِ التامِ مِن أن تُنجبَ عشرَ معشارِ أولئكَ الجهابذةِ مِن العلماءِ !!!

وطبعاً أن هذا الإنهيارَ بالمؤسسةِ الدينيةِ السنيةِ, لم يأتي جزافاً أبداً, بل أن هذهِ المؤسسةِ الدينيةِ قد مُرِسَتْ عليهَا الضغوطُ من قبلِ الحكوماتِ والمؤسساتِ السياسيةِ, فالسلطةُ التي يتمتعُ بهَا الحاكمُ  لم تقتصرْ على المؤسساتِ السياسةِ والعسكريةِ والإقتصاديةِ, بل تعدتْ سلطتهُ الى المؤسساتِ الدينيةِ ...

وبمَا أن الرئيسَ يجب أن يكونَ هو الأعلمُ والأفهمُ وفلتتْ زمانهِ, لذا لابدَ أن يتعلمَ أصولَ الدينِ والعقيدةِ والمذهبِ, وعندَهَا لابدَ مِن إنهيارِ المؤسسةِ الدينيةِ الى مستوى يتمكن هذا القائدُ الضرورةُ من ركوبِهَا والإرتقاءِ عليهَا حتى, بل أنَّ النصوصَ الدينيةَ لابدَ أن تخضعَ لمجلسِ الشورى والإستشاررينَ والبطانةِ الملكيةِ أيضاً !!!

وبالتالي هكذا بدأ المذهبُ السني بالإنهيارِ علمياً, لأنَّ الإشتراكَ بينَ المؤسستينِ الدينيةِ والسياسيةِ بدأ مِنذُ إنتهاءِ عصرِ الخلافةِ الراشدةِ أو قبلَهَا, وبالتالي فإنَّ رصانةَ المذهبَ السني لا تتحملُ كلَّ هذهِ الفترةِ مِن الزمنِ لتبقَ على نفسِ صمودِهَا, فنسبةُ التأويلِ والتبريرِ والخوضِ بالمتشابهَات ستكونُ أكثرَ فأكثرَ بمرورِ الزمنِ !!!

#ونفسُ_الشيءِ :
يُعملُ اليومَ مع المذهبِ الشيعي, حذو القذةِ بالقذةِ, والنعلِ بالنعلِ, حيثُ لاحظَ الكثيرُ أن علاماتِ إنقراضِ وإنتهاءِ الفقهاءِ الهادينَ بدأ بالظهورِ مِن نهاياتِ القرنِ الماضي تقريباً, حيثُ بدأ الفقيهُ لا يُنْظَرُ الى تراثهِ العلمي والبحثي, بمقدارِ مَا يُنظَرُ الى سيطرتهِ على القواعدِ الشعبيةِ في المنطقةِ التي يقبعُ عليهَا ويجثو على صدرِهَا ...

فَمَن مِنَا رأى أن فقيهَا مِن الفقهاءِ المعاصرينَ, إهتمَ بالدرسِ والتدريسِ والبحثِ والتنقيبِ والكتابةِ التأليفِ, بقدرِ مَا إهتمَ في ترميمِ شكلهِ ومنظارهِ ومظهرهِ الخارجي أمامَ الناسِ ودولِ العالمِ الخارجي ؟!!

وعندَهَا إنهارتْ المؤسسةُ الدينيةُ الشيعيةُ, كإنهيارِ المؤسسةِ الدينيةِ السنيةِ, بل أنَّ عامةَ هؤلاءِ لا يريدونَ وجهَ اللهِ تعالى أبداً, بل هَمُ هؤلاءِ كيفيةُ السيطرةِ على الناسِ بأيِّ وسيلةٍ مناسبةٍ وسهلةٍ, بعدَ أن شعروا أنَّ السيطرةَ العلميةَ غيرُ ممكنةٍ بالنسبةِ لهُم, لفراغِهِم العلمي والمعرفي, لذا ركنوا الى مصاحبةِ السلطةِ وتزلفوا الى أركانِ السطوةِ, حتى فُعِلَ بِهِم مَا فُعِلَ بعلماءِ السنةِ !!!

فبالتأكيدِ أن المؤسسةِ السياسيةِ سَتَرفعُ شخصاً لا طاقةَ لهُ على التحريكِ العلمي, بحيثُ أن الزعيمَ السياسي سيبقى أبلغُ وأفقهُ وأعلمُ مِن فقهاءِ السلطةِ والراكنينَ إليهَا ...

#وتَخَيَلَ :
مَا الأرباحُ التي سوفَ تجنيهُ المؤسساتُ السياسيةُ مَا لو قربتْ أشخاصاً منافقينَ إليهَا, وسوقتْ هذهِ السلطةُ بأنَّ هذا الشخصُ هو الممثلُ الحقيقي للدينِ والمذهبِ !!!
فهل ترى أن أبلغَ مَا توصلتْ إليهِ دوائرُ المخابراتِ يبلغُ هذهِ الطريقةَ في تهديمِ الدينِ والمذهبِ ؟!!

فبالتأكيدِ إن جعلَ هذا المنافقَ والمتزلفَ والإنتهازيَ على رأسِ المذهبِ, وتسويقهُ الى العامةِ بأنهُ المرجعُ الأعلى, والشخصيةُ الوطنيةُ المُثلى, والطريقةُ الوسطيةُ بينَ جميعِ أبناءِ المذهبِ, وبالمقابلِ أنتَ تعلمُ وتتيقنُ, كمَا هُم يعلمونَ ويتيقنونَ, أنهُ منافقٌ دجالٌ عميلٌ, بل هو مِن وعاظِ السلاطينِ الإنتهازيينَ المستأكلينَ, بل أنهُ مجرمٌ وقاتلٌ وفتاكٌ بالنفسِ المحترمةِ والمقدساتِ, فعندَهَا سيكونُ الشعورُ العامُ والإنطباعُ عندَ الناسِ, بأنَّ كبيرَهُم منافقٌ دجالٌ منحرفٌ مستأكلٌ, فكيفَ بالملايينَ الذينَ سوقَهُم الإعلامُ على أنَّهُم تابعونَ لهُ !!!

#وهنَا :
سوفَ يُنزلُ المذهبُ الذي قامَ على الدليلِ والبرهانِ والنقاشِ العلمي الإخلاقي وكثرةِ التأليفِ والإنتاجِ, الى منزلةِ العمل المؤسساتي, كمَا نراهُ في كلياتِ العلومِ الشرعيةِ الأكادميةِ عندَ أبناءِ السنةِ والجماعةِ, حيثُ أن عددَ المفتينَ بعددِ أبناءِ المذهبِ, حتى وصلَ بهِم الحالُ الى صعوبةِ السيطرةِ على الناطقينَ بإسمِ المذهبِ, والمتكلمينَ بإسمهِ في شاشاتِ التلفازِ ومِن على المنابرِ, بل بمقدورِ أيًّ منهُم أن يكونَ إماماً ضالاً ومضلاً كمَا حصلَ مع أئمةِ المارقةِ مِن تنظيمِ الدولةِ -داعش- !!!

وبعدَهَا عن أيِّ برهانٍ علمي نتكلُ, وعن أيِّ دليلٍ يستطيعُ هؤلاءِ تقديمهُ الى الناسِ والى الطرفِ المقابلِ, فإذا كانَ هو بنفسهِ لا يستطيعُ تحصينَ نفسهِ فكرياً, بل هو وكرٌ مِن أكارِ الشيطانِ, ومخدعٌ مِن مخادعِ أبليس, ومرمى مِن مرامي المخابراتِ العالميةِ, فبالتأكيدِ سوفَ نقرأ على المذهب السلام بعدَ أعوامٍ قلائلٍ مِن الآن, ونسألَ اللهُ تعالى العفو والصلاحَ !!!
#وبالمقابلِ :
أنَّ هنالكَ جذوةً مِن علمٍ, وآثاراً مِن التقوى, وينبوعاً مِن الحكمةِ, لا يزولُ ولا يُدرسُ حتى لو تقابلَ الثقلانِ على إنهائهِ, فهو بمثابةِ الحجةِ والبرهانِ والكلمةِ الحسنةِ, التي ضَمِنَ اللهُ تعالى بقاءُهَا الى يومِ القيامةِ, وهي التي تكونَ الحقَ المطلقُ, والبرهانُ الساطعُ, والمحكُ بينَ الحقِ والباطلِ, والحجةُ على أهلِ الدنيا والأخرةِ, حتى لو لَم يمارسُ الرياسةَ, ولَم تُطوَ لهو السجادَ, وبقى شريداً طريداً منجحراً في مضيقٍ مِن العيشِ, فكفى بالصبرِ سلوةً لهُ, لأنَّهُ يصبرُ على ما يعلمُ مِن النعيمِ المقيمِ ...

#وهنَا :
لابأسَ أن أزفَ البشرى الى نفوسٍ مُحِقَتْ كَمَحقِ الملحِ في الماءِ, لمَا ترى مِن إنهيارِ الدينِ, وضياعِ جهودِ الشهداءِ والصالحينِ, أنَّ الإرهاصاتِ لنهايةِ المعاناةِ لا تكونَ فقط وفقط على حسابِ الظواهرِ الكونيةِ والخارجيةِ, بل أنَّ إرهاصاتِ إنحسارِ التقوى, ودبيبِ الفسادِ, وغيابِ الهداةِ المهديينَ مِن أرجاءِ هذهِ المعمورةِ, يُنبؤنَا وعلى نحو اليقينِ, أنَّ المشروعَ الإلهي الذي أُوكلَ للعلماءِ العاملينَ شارفَ على النهايةِ, وبقلةِ هؤلاءِ المخلصينَ الممحصينَ القادرينَ على حملِ المشروعِ, فلابدَ مِن إيكالِ الحفظِ والإكمالِ الى مَن لا تُرَدُ لهُ رايةٌ, ولا تُرجعُ عليهِ كلمةٌ, ومَن ستكونُ طاعةُ الكونِ إليهِ أشدِ مِن طاعةِ الأمةِ لسيدِهَا ...

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَنْزِلُ بِأُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلَاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ لَمْ يُسْمَعْ بَلَاءٌ أَشَدُّ مِنْهُ ، حَتَّى تَضِيقَ عَنْهُمُ الْأَرْضُ الرَّحْبَةُ، وَحَتَّى يُمْلَأَ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، لَا يَجِدُ الْمُؤْمِنُ مَلْجَأً يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنْ عِتْرَتِي ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، لَا تَدَّخِرُ الْأَرْضُ مِنْ بَذْرِهَا شَيْئًا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ، وَلَا السَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئًا إِلَّا صَبَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا، يَعِيشُ فِيهَا سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ أَوْ تِسْعَ، تَتَمَنَّى الْأَحْيَاءُ الْأَمْوَاتَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَيْرِهِ ) ...

-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْلَأَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا وَعُدْوَانًا، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَنْ يَمْلَؤهَا قِسْطًا وَعَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ) ...

- وعن رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) : (سيأتي زمانٌ على أمتي لايبقى مِن القرآنِ إلا رسمهُ، ولا مِن الإسلامِ إلا اسمهُ، يسمونَ بهِ وهُم أبعدُ الناسِ منهُ، مَسَاجِدَهُم عامرةٌ وهَي خرابٌ مِن الهدى، فقهاءُ ذلكَ الزمانِ شرُ فقهاءٍ تحتَ ظلِ السماءِ، منهم خرجتْ الفتنةُ وإليهم تعودُ) ...

- وعن الرسول (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) في حديث المعراج، قال: (... قلتُ إلهي فمتى يكون ذلك –أي الفرج-؟ فأوحى إلي (عز وجل) : يكون ذلك إذا رفع العلم و ظهر الجهل وكثر القراء و قل العمل وكثر الفتك و قل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة) ...

هناك تعليق واحد:

  1. احسنت مقال وتحليل رائع وكشف وافي لشخصية هذا العميل الذي لاعلم ولامبدء ولااخلاق له

    ردحذف