الجمعة، 12 أغسطس 2016

النِرْدُ الأميركي .. والقيمةُ الواحدةُ :

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
فمَن كانَ يملكُ نِرداً بقيمةٍ واحدةٍ ومِن الفِئةِ الستةِ فقط, فلا يقالُ عنهُ أنَّهُ سيخسرُ رهاناً في يومٍ مِن الأيامِ, هكذا هي اللعبةُ السياسيةُ الأميركيةُ ...
ومَن كانَ يلعبُ النردَ على قطعِ يدهِ, وليسَ لهُ خيارٌ إلا أنَّ يختارَ مكانَ القطعِ المفضلِ عندهُ, هل هو مِن تحتَ المرفقِ -Long Slave- أو مِن فوقَ المرفقِ -Short Slave- هكذا هي العبةُ الروسيةُ ...
‫#‏نعم‬ ...
اللعبةُ الأميركيةِ والروسيةِ لعبتانِ غيرُ متكافئتانِ أبداً, فالأولُ خياراتُ الفوزِ مضمونةً لديهِ, واللعبُ فقط وفقط على حسابِ طولِ وقصرِ الوقتِ, بخلافِ الثاني, فالرهانُ على طولِ ذراعهِ في المنطقةِ وقصرهَا, ومَا تَقصرُ اليومُ على بلوغهِ عن طريقِ التفاوضِ, فستخسرهُ بطريقةِ بترِ اليدِ وليسَ إنكماشِهَا, فلا أملَ لَهَا في إسترجاعِهَا ...
هل رأيتُم أحبتي المتابعينَ حجمَ ومقدارَ الأوراقِ التي يحملهَا وزيرُ الخارجيةِ الأميركيةِ جون كيري في كلتا يديهِ, الأولى اليمنى تحملُ حقيبةً دبلماسيةً حمراءً, والأخرى تحملُ بوكس فايل -Box file- عددَ إثنينِ !!!
وللصورةِ عدةُ دلالاتِ سأقفُ عندهَا قليلاً ...
إنَّ مقدارَ التفاوضِ الروسي الأميركي سوفَ لا يكن بالأمرِ الهينِ هذهِ المرةِ, لأنَّ التفاوضَ سيكون على عدةِ ملفاتِ كبيرةِ جداً, بعضهَا يرتقي الى الأمنِ القومي والوجودِ والبقاءِ على سطحِ الأرضِ, لأنَّ هذهِ الزيارةَ جائتْ بعدَ عدةِ أحداثٍ عالميةِ كبيرةٍ جداً, وأكبرُهَا خروجُ حلفِ الناتو -NATO- مِن قمةِ أرسو, حيثُ تمخضَ الإجتماعُ عن عدةِ نقاطٍ تخصُ كلُّهَا الجانبَ الروسي ...
حيثُ نشرِ أربعِ كتائبٍ مِن الناتو في دولِ البلطيقَ, وهي أجمعهَا تقعُ على الحدودِ الغربيةِ لروسيا, أي جعلِ قواتِ الناتو على تأهبٍ تامٍ للتصدي الى أيِّ طارئ يهددُ شمالَ شرقي للدولِ الأوربيةِ ...
وكما إنَّ دعوةَ جمهوريةِ الجبلِ الأسودِ لحضورِ القمةِ, بعثتْ برسالةٍ يقرأهَا الأُمي مِن السياسيينَ أنَّ الحلفَ لازالَ يملكُ مِن الشراهةِ لإبتلاعِ كلِّ دولِ البلقانِ المتبقيةِ خارجَ الناتو الى قبولِ عضويتِهَا الى داخلَ الحلفِ, حتى لو لم تكن هذهِ البلدانِ مِن المُعتبرةِ عسكرياً, بل يكفي أنَّهَا متاخمةً للحدودِ الغربيةِ الجنوبيةِ لروسيا, وبالتالي جعلِهَا مقراتٍ لنصبِ منصاتِ الصواريخِ لتحييدِ الترسانةِ النوويةِ الروسيةِ, والتي طالما تبجحتْ روسيا أنَّهَا ثاني أكبرُ دولةٍ تتملكُ القدراتِ الصاروخيةِ والنوويةِ ...
بالإضافةِ الى الأزمتينِ الأوكرانيةِ والسوريةِ, والأولى تمثلُ الأمنَ الروسي في القارةِ الأوربيةِ, بينمَا الثانيةُ فتمثلُ القدرةَ الروسيةِ على حفظِ الأحلافِ مِن القوى والأخطارِ الخارجيةِ, والوفاءُ مع الأحلافِ تَرسمُ الخارطةَ الخارجيةَ للبلادِ, وتُثبتُ إمكانية الروسِ للحفاظِ على الأحلافِ بالمستقبلِ !!!
حقاً أنَّهَا ملفاتٌ شائكةٌ جداً, ويستحيلُ أخذُهَا ومسكُهَا بيدٍ واحدةٍ منفردةٍ, بل لابدَ مِن التضحيةِ ببعضِهَا والتخلي عنهَا للحصولِ والضمانِ للإحتفاظِ بالآخرِ ...
فَمِنَ المستحيلِ جداً أنَّ تفاوضَ روسيا أميركا والناتو على فعلِ التالي :
1- سحبُ قواتِ الناتو مِن دولِ البلطيقِ -إستونيا, لاتفيا, ليتوانيا- والمقدرةِ بأربعِ كتائبٍ من القواتِ المُشتركةِ ...
2- التراجعُ عن ضمِ دولِ البلقانِ الى الحلفِ, والإكتفاءِ بالدولِ الثمانِ والعشرينِ وعدم السعي الى ضمِ دولٍ أكثرٍ ...
3- التخلي عن الملفِ السوري السياسي بشكلٍ كاملٍ, والإهتمامِ بالحربِ ومكافحةِ الإرهابِ والإتفاقِ على مَن يقعونَ ضمنَ الإرهابِ الدولي ...
بينما ستوافقُ أميركا مرغمةً بهذهِ التنازلاتِ جميعاً أمامَ لا شيءٍ أبداً !!!
‫#‏وهنا‬ ...
بعدَ أنَّ بينا إستحالةَ أمرَ التنازلِ كاملاً مِن قبلِ الإدارةِ الأميركيةِ, فيبقى خيارُ ما يعطى باليمينِ يُدفعُ بالشمالِ, وهذا سِرُ حملِ الأوراقِ بكلتا اليدينِ وعدمِ الإكتفاءِ بحقيبةٍ واحدةٍ كبيرةٍ فقط ...
فخيارُ التنازلُ الروسي أمراً مطروحاً ومِن الثواني اللأولى مِن لحظاتِ ظهورِ جون كيري مِن قِمْرَةِ المسافرينَ, وهو يُمسكُ بأوراقِ التفاوضِ بكلتا يديهِ ...
#وهنا ...
تناولَ الإعلامُ الغربي والشرقي ما أفصحَتْ الخارجيةُ الأميركيةِ مِن المُوجَبِ لهذهِ الزيارةِ المكررةِ لروسيا خلالَ هذا العامِ, حيثُ بينَتْ أنَّ الورقةَ التي يحملهَا كيري الى الرئيسِ فلاديمير بوتن هي ورقةُ عملٍ للحربِ على الإرهابِ في سوريا, مع البحثِ عن قيادةِ مشتركةٍ في الإردنِ, مع المنعِ للطيرانِ السوري مِن متابعةِ طيرانهِ إلا لمهامِ الدفاعِ عن النفسِ !!!
ولذا بالنظرِ الى الأزمتينِ السوريا وأوربا الشرقيةِ أنَّهُمَا أزمتانِ غيرُ متكافئتانِ أميركياً, بل أنَّ التقدمَ للحلفِ قريباً مِن الحودِ الغربيةِ لروسيا حُلماً أميركياً وأمناً قومياً, بينمَا الأزمةُ السوريا والسعي الى موسكو لحلِهَا بمثابةِ عدمِ إنقطاعِ الجسرِ الدبلماسيةِ بينَ البلدينِ, وإلا ماذا تُمثلُ القضيةَ السوريةَ الى روسيا قبالَ ما تعانيهُ الحدودُ الغربيةِ مِن خطرٍ مداهمٍ جداً بالنسبةِ لهَا ؟!!
وبالمقابلِ لا يُمكن أن نجعلَ القضيةَ السوريا في قبالِ التقدمِ الأميركي بواسطةِ حلفِهَا على أعتابِ موسكو الغربيةِ, حتى يكون الإثنانِ موضعي تفاوضٍ وتبادلٍ بينَ البلدينِ, بل المناطقُ التي وطأتْهَا أقدامُ الدجالِ الأميركي في دولِ البلطيقِ لا يُمكنُ سحبَهَا أبداً في أي حالٍ مِن الأحوالِ, وبالخصوصِ مع تفاهةِ الملفِ السوري قياساً بالملفِ الروسي ودرئ الخطرِ عن الأراضي الأميركيةِ ...
‫#‏الآن‬ ...
ليسَ مِن العقلِ والمنطقِ أن نُصدقَ ما قالهُ المحللونَ السياسيونَ الشرقيونَ والغربيونَ, فضلاً عما يتوهمهُ المحللونَ العربِ, مِن أنَّ الملفَ السوري الذي أبدتهُ التصريحاتُ الأميركيةِ سيكون قبالَ الأزمةِ في أوربا الشرقيةِ, أو في قبالِ ما إنتهتْ أليهِ قمةُ أرسو عاصمةُ بولندا مِن نقاطٍ, لأنَّ الملفينِ غيرُ متكافئينِ أبداً, فلا يصحُ التفاوضُ عليهِمَا ...
ولكن أنَّ الورقةَ الأميركيةَ هي بحدِ ذاتِهَا دبلوماسيةً الى حدِ الجنونِ, حيثُ إقترحتْ الإدارةُ الأميركيةَ التفاوضَ على بقاءِ الأسدِ في سوريا, قبالَ قبولِ الروسِ بالمشاركةِ ضدَ التشكيلاتِ الإرهابيةِ هناكَ, وهذهِ الورقةُ بحدِ ذاتِهَا هي موافقةٌ مبدئيةً لبقاءِ النظامِ بعيداً عن شنِ الهجماتِ الإكتفاءِ بالدفاعِ عن النفسِ, وهذا الهدفُ سيحفظُ ماءَ وجهِ روسيا المُراقِ مِنذُ أكثرِ مِن سنةٍ لوقوفِهَا أمامَ التيارِ العالمي والإقليمي المتمسكِ برحيلِ الأسدِ مِن سوريا, مع الرضوخِ لأمرِ الواقعِ الأميركي للموافقةِ بإشراكِ الروسِ ضمنَ الحلفِ العالمي لمحاربةِ الإرهابِ, بعدَ أن سالَ لُعابُهَا للإشتراكِ في هذا الحلفِ ودعتْ أميركا بالموافقةِ لإشتراكِهِمَا سويةً للحربِ ضدَ الإرهابِ ...
‫#‏لذا‬ ...
مَن أرادَ مَعرفةَ القوةَ الروسيا وتحملِهَا لبقاءِ إصبعِهَا بينَ فكي الوحشِ الأميركي, فلينتظرْ ما ستؤولُ إليهِ هذهِ المحادثاتِ مِن نتائجٍ ...
وأما أنَّا فأعرفُ جيداً أنَّ كلتا اليدينِ لوزيرِ الخارجيةِ الأميركيةِ جون كيري تحملانِ هذا الخيارَ حصراً, وهو التفاوضَ على بقاءِ الأسدِ لهذهِ الفترةِ كقوةٍ مدافعةٍ عن نفسِهَا, وهو يُمثلُ الحلمَ الروسي, مع القبولِ بالمشاركةِ الأميركيةِ الروسيةِ لقتالِ الإرهابِ في سوريا, وهو حلمٌ روسيٌ أيضاً !!!
وإذا رفضَ الجانبُ الروسي هذهِ المفاوضاتِ وأبدى رفضهُ القاطعُ لهَا, عندَهَا عَرَفَتْ روسيا أنَّ ما جاءَ بهِ جون كيري بمثابةِ هديةٍ بسيطةٍ للتقليلِ مِن الإمتعاضِ الروسي أمامَ التقدمِ العسكري لحلفِ الناتو على حدودهِ الغربيةِ, حيثُ تحوي هذهِ الهديةُ على مُلهيةِ أطفالِ مصنوعةٍ من البلاستكِ المعادِ, مع مجموعةِ أقنعةِ أبطالِ الخارقينَ في السينما الهوليوديةِ تنفعُ الحكومةَ الروسيةَ للإستمرارِ بحفلاتِهِم التنكريةِ في ليالي الهلوينَ في مَنطقةِ الشرقِ الأوسطِ فقط ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق