الأحد، 5 فبراير 2017

الفِرْشَاةُ الأميركيةُ وصِيَاغةُ العَالَمِ الجَدِيْــــــــدِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)

مِن غيرِ المَشكوكِ فيهِ أبداً, أن النظرةَ الأميركيةَ للعالمِ بأسرهِ باتتْ نظرةَ

استصغارٍ واستحقارٍ واستخفافٍ الى درجةِ إتخاذِ القراراتِ بشكلٍ منفردٍ عن الأسرةِ الدوليةِ, التي تَرعَى مصالحهَا دولُ العالمِ الأولِ, كبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا وإيطاليا وغيرِهِنَّ ...

وإنَّ كلَّ هذهِ القراراتِ تَنبعُ مِن الرؤيةِ الأميركيةِ والمصالحِ الوطنيةِ القوميةِ بعيدةً عن الرؤيةِ العالميةِ والمصالحِ المُشتركةِ, بل حتى لو كانتْ تلكَ القراراتُ الأميركيةُ تصبُ في الصالحِ الضيقِ والبسيطِ قياساً بالمصالحِ العالميةِ المُشتركةِ, ففي حالِ تعارضِ المصالحِ الداخليةِ بالخارجيةِ تُقدمُ المصالحُ الداخليةُ عليهَا, حتى لو كانتْ على أساسِ تقليصِ نسبةِ البطالةِ في الولاياتِ المتحدةِ, أو خفضِ أجورِ اليدِ العاملةِ أو التساوي في المَصالحِ التجاريةِ والتقليلِ مِن نسبِ الأرباحِ مع الشركاءِ كمَا حصلَ في تجارةِ دولِ المحيطِ الهاديء !!!

ومِن هنَا أنبثقتْ لنَا بدلِ قرارِ جاستَا الذي أخيطَ على مقاسِ الدولِ الخليجيةِ والعربيةِ عموماً, عشرارتِ القراراتِ التي تعاملُ العالمَ بالمثلِ, ولكنَّ فرقِ الأولِ عن الأخيرِ أنَّ الأخيرَ لا ينتهكُ سياساتِ الدولِ السياديةِ ولا المعاييرِ الداخليةِ, بينمَا لا يُعيرُ للمصالحِ المُشركةِ الثنائيةِ أيَّ قيمةٍ, بل يتعاملُ مع الشأنِ الخارجي بطريقةِ الإنفرادِ والتفردِ في إتخاذِ القراراتِ  !!!

#وهذا :
مَا أشرتُ إليهِ سابقاً في المقالِ الموسومِ بِــــ : (#ترامب ... المَنْصورُ بالرعبِ), بتاريخِ -2016/11/12- حيثُ بينتُ خلالهُ أنَّ :
 (وهنا تتوفرُ فرصةٌ ذهبيةٌ كبيرةٌ جداً لهذا الرئيسُ, حيثُ أنَّ عنصرَ المفاجئةِ التي تسلمَ بهَا مقاليدَ الحكمِ, وعدمَ إمتلاكهِ سيرةٍ سياسيةٍ معروفةٍ عندَ المراقبينَ, جعلتْ البابَ مفتوحاً على مصراعيهِ للسيناريوهَاتِ المحتملةِ التي سيقدمُ عليهَا في المستقبلِ, بل إنَّ عنصري المفاجأةِ والخشيةِ ستبقيانِ مستحكمةً في أذهانِ كلِّ قياداتِ العالمِ, لأنَّ بوصلةَ هذا الرجلِ غيرِ معلومةِ الإتجاهِ, لذا فلهُ أن يختارَ فريقَ عملهِ وأفرادَ حكومتهِ بنفسِ المقدارِ مِن الغموضِ, بحيثُ ستكونُ هذهِ الحكومةُ الجديدةُ أشبهُ بالثقبِ الأسودِ والذي مِن الصعبِ أن تُسلطَ عليهِ أضواءُ الإعلامِ لمعرفةِ ما يُطبخُ مِن مؤامراتٍ داخلهَا !!!

ولكَ أن تتخيلَ مقدارَ الخوفِ والخشيةِ والصدمةِ العالميةِ في حالِ لو جَهَلَ ساسةُ العالمِ كلَّ أفرادِ الحكومةِ الأميركيةِ الجديدةِ, فهذا يعني الحاجةَ الى أشهرٍ وربَّمَا سنواتِ لفهمِ كلَّ فردٍ مِن أفرادِ الحكومةِ, بل الى تكرارِ اللقاءاتِ حتى يُعادَ صياغةِ الكثيرِ مِن الثوابتِ المتفقِ عليهَا بينَ البلدانِ مِن طرفٍ وبينَ الإدارةِ الأميركيةِ الجديدةِ مِن طرفٍ آخرٍ !!!

لأنَّ الكثيرَ مِن الثوابتْ المتفقِ عليهَا لا ضمانَ لهَا بعدَ أن يكنَ تاجرٌ ومقامرٌ على عرشِ أعظمِ دولةٍ في العالَمِ, وبالخصوصِ أنَّ الكثيرَ مِنهَا غيرُ ملزمةِ التنفيذِ في الحالاتِ الإعتياديةِ, حيثُ ستكونَ المنفعةُ هي العنصرُ الغالبُ في كلِّ التعاملاتِ مع الخارجِ, ولا وجودَ لمَا يُعرفُ بالدبلماسيةِ الدوليةِ, بل أقلُ مَا يُتَعَاملُ بهِ ما يُعرفُ بالمصالحِ المشتركةِ بينَ الأطرافِ !!!

وحقاً أنَّ الإدارةَ الأميركيةَ ما قبلَ ترامبَ الرئيسِ الجديدِ, هي ليستْ الأدارةَ ما بعدَ ترامبَ, لأنَّ كلَّ السياساتِ كانتْ معلومةً مِن قبلِ السياسيينَ عن كلا الحزبينِ, فبمجردِ صعودِ أحدِ أفرادِ الحزبينِ مِمَن شغلَ منصباً سياسياً أو سيادياً سابقاً, سيكونُ سياستهُ مكشوفةً ومتوقعةً إتجاهُ العالمِ الخارجي, بينَمَا أن يصلَ الحالُ الى شخصٍ لا يُرى خارجَ ملاعبِ الكولفِ والأبراجِ الناطحةِ للسحابِ والسهراتِ الصاخبةِ المغلقةِ على نفسِهَا, هنَا سيضطرُ الكلُّ الى إعادةِ صياغةِ الكثيرِ مِن الثوابتِ أو تأكيدِ الإتفاقِ عليهَا !!!

وهذا ماجعلَ العالمَ الخارجي وبشكلٍ ملفتٍ للنظرِ, في حالةِ ذهولٍ وصدمةٍ وصعقةٍ كبيرةٍ جداً, بل لَم يتوقعْ أولئكَ السياسيونَ الكبارُ والمؤثرونَ في المشاهدِ السياسيةِ العالميةِ -مِن حيثُ التدخل الإستخباري والإعلامي والمالي لتغييرِ قناعةِ الشعوبِ في رؤسائهَا لغرضِ إنتخابِهِم- فوزَ هذا الشخصِ على الإطلاقِ, لأنَّهُم كدسوا الأموالَ والإعلامَ لفوزِ منافستهِ هيلاري كلينتون, لا لشيءٍ سوى أنَّهَا معلومةَ السيرةِ والتحركِ السياسي في المستقبلِ, بل مِن الراجحِ عندَهُم ما لو تسنى لهَا الحكمُ لمَا غايرتْ الكثيرَ مِن خطى السابقينَ عليهَا مِن الجمهوريينَ والديمقراطيينَ ...

بل إنَّ ما بُذِلَ مِن أموالٍ مِن قبلِ الكثيرِ مِن الدولِ العظمى في العالمِ, لا حباً بكلنتونَ أن تكونَ رئيسةً, بل خوفاً مِن المجهولِ ومِن قراراتِ الرئيسِ المجهولِ وغيرِ معلومِ التصرفِ والتفكيرِ والحالةِ النفسيةِ, وهذا ما يَجعلهُم في حالِ ترقبٍ ووجلٍ شديدينِ, بل وصلَ بهِم الحالُ الى إستعجالِ عقدِ اللقاءاتِ معهُ للتأكدِ مِن خطوطهِ العريضةِ التي أتفقوا عليهَا عبرَ عقودٍ !!!

وكمَا بينَا سابقاً أنَّ السياساتِ الأميركيةِ مرسومةٌ مسبقاً ولعشراتِ السنينَ, وليسَ لهذا الرئيسِ الإ العملِ بمضمونِ الكثيرِ مِنهَا, مع تركِ فسحةِ عملٍ لهُ, والتي مِن خلالِهَا سيشعرُ العالمُ بأنَّهُ رئيسٌ فعليٌ للعالمِ بأسرهِ ...

ولكنَ هذهِ السياساتُ لا تصبُ أهتماماً على الرؤى الداخليةِ للبلادِ بقدرِ ما تهتمُ الى الرؤى الخارجيةِ لهَا, فمثلاً لا تهتمُ بطبيعةِ العلاقاتِ بينَ الإتحادِ الأوربي مِن جانبٍ والأميركيةِ مِن جانبٍ آخرٍ, ولا بعلاقةِ أميركا بإسرائيلِ, بقدرِ ما لهَا مِن رؤى تخصُ العولمةَ والسيطرةَ على العالمِ بأسرهِ, والحفاظَ على الأمنِ القومي والتقدمِ العسكري, وما يرتبطُ بهَا !!!

وهذا الشيءُ الذي لَم يلتفتْ لهُ الكثيرُ مِن المحللينَ والكُتابِ, وهو أنَّ ما يُرسمَ مِن السياساتِ لا تقيدُ كثيراً التحركَ الرئاسي بحيثُ يصل الى مرحلةِ الموظفِ في الحكومةِ أو الإدارةِ, بل هنالكَ عدةُ ملفاتٍ تبقى مِن صلاحيةِ الرئيسِ العملِ عليهَا, وهي لا تقلُ أهميةٌ عن تلكَ التي تبقى محجوبةً عنهُ طيلةَ فترةِ رئاستهِ, بل تُعدُ وتوكلُ الى الرئيسِ القادمِ في الفترةِ الإنتخابيةِ القادمةِ !!!

ولكن للجانبِ الأميركي الكثيرُ مِن الخياراتِ التي سيمتلكُهَا بعدَ حصولِ هذهِ الصدمةِ العالميةِ بإنتخابِ عقاري وتاجرٍ كرئيسٍ أميركي, حيثُ يُمكن للوكالاتِ الإستخباريةِ وفريقِ المستشارينَ المخضرمينَ, الذينَ تخرجَ على أيديهِم الكثيرِ مِن رؤساءِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ, أن يُشيروا على الرئيسِ الكثيرَ مِن الملفاتِ التي تتناسبُ مع هولِ هذهِ الصدمةِ, حيثُ عاملَ الوجلِ والخوفِ المستحكمِ مِن ما سيقدمُ عليهِ هذا الرئيسُ, سيجعلُ العالمَ في حالةِ صمتْ دولي أمامَ الكثيرِ مِن الخطواتِ الخطرةِ مستقبلاً, فللإستشاريينَ أن يُحركوا الكثيرَ مِن هذهِ الملفاتِ التي حركُوهَا بعدَ أحداثِ الحادي عشرِ مِن سبتمبرَ !!!

بل إنَّ أي تحركٍ رئاسي جديدٍ سيجعلُ العالمَ الغربي والشرقي يُعيدَ إصطفافهُ مِن جديدٍ مع الجانبِ الأميركي أيضاً, وهذا الإصطفافُ لا يُمكن الحصولَ عليهِ مع رئيسٍ معلومِ السيرةِ والتوجهِ والسياسةِ ...

فمَا لو فكرتْ أميركا أن تعيدَ رسمَ خارطةِ السياسيةِ والعسكريةِ في العالمِ بأسرهِ, بعدَ أن سأمتْ الخارطةَ القديمةَ, فعليهَا أن تحركَ تلكَ الملفاتِ التي أعدتْ مسبقاً لهذا الغرضِ, مع رمي الرئيسِ بهذا التحولِ السياسي والإنعطافِ الدبلماسي الكبيرِ, بل إستغلالُ صفةِ الخوفِ والخشيةِ المسيطرةِ على العالمِ !!!

وبالخصوصِ أنَّ هنالكَ عدةُ مقوماتٍ لهذا التحولِ السياسي والدبلماسي الأميركي, وهو أنَّ غالبيةَ مَن سيطرَ على مقاعدِ الكونكرس هُم مِن الجمهوريينَ, وهذا يعني أنَّ الرئيسَ ترامبَ سوفَ لا يخوضَ جولاتِ مفاوضاتِ معهُم لإستحصالِ بعضِ القراراتِ المنسجمةِ مع هذا التغييرِ, بقدرِ ما يحتاجُ الى إرضائِهِم وإقناعِهِم, أي أنَّ مهمةَ ترامبَ ستكونُ سهلةً بشكلٍ كبيرٍ ما لُو قِيستْ بمرحلةِ الرئيسِ أوباما, الذي كانَ يضعُ نصبَ عينيهِ المعارضةَ في مجلسي الشيوخِ والبرلمانِ !!!

وبالمقابلِ أنَّ هنالكَ الكثيرَ مِن الملفاتِ التي سوفَ ترسمُ للرئيسِ ترامبَ خطواتهُ القادمةَ, وسيكونُ هذا الرئيسُ مجبراً على تكملةِ المشوارِ قدماَ, بل مع إستعمالِ ما يملكهُ مِن الرهبةِ في قلوبِ الساسةِ والرؤساءِ في العالمِ ...

يعني أنَّ الدعوى عدمِ قدرةِ الرئيسِ على التحكمِ التامِ بمقاليدِ الحكمِ والتحركِ بحريةٍ تامةٍ, هي دعوى صحيحةٌ وبشكلٍ كبيرٍ, ولكن هذا لا يعني أنَّ الإستشاريينَ سيفرضونَ على الرئيسِ هذهِ الستراتيجياتِ المستقبليةِ, وهو سيكونُ ملتزماً بهَا وبفعلِهَا, وفيما لو تخاذلَ عن إمتثالِهَا سيكونُ رئيساً فاشلاً ومهدداً بالإقالةِ, طبعاً لا !!!

فمثلاً إذا كانَ الهدفُ المنشودُ هو إعادةَ رسمِ خارطةِ الشرقِ الأوسطِ مثلاً, وهذا الهدفُ يحتاجُ الى عدةِ سنينَ لا تسمحهَا الولايتانِ معاً, فيُتركُ أمرَ الإكمالِ الى الرئيسِ التالي لإكمالِ المخططِ المتفقِ عليهِ, بل إنَّ أمرَ الإكمالِ سيكونُ خياراً لابدَ مِنهُ, بل وخيارُ تركهِ سيكونُ خياراً رمادياً بطبيعةِ الحالِ !!!

وبهذهِ الطريقةِ سوفَ لا ينقضُ الرئيسُ الجديدُ عملَ القديمِ أبداً, بل وكأنمَا يسيرونَ عبرَ مئاتِ السنينَ لتنفيذِ نفسِ المخططِ, ولكنهُ بالحقيقةِ أمرٌ لابدَ مِن فعلهِ يُلقى على عاتقِ الرئيسِ الجديدِ إكمالهُ, وبهذهِ الطريقةِ يُستعبدُ الرئيسُ كسابقيهِ عندَ مؤسسةِ الرؤيا المستقبيلةِ في أميركا, وأمَا أمرُ الأمورِ الأخرى فتتركُ للرئيسِ عملُهَا بشرطِ أن لا تتعارضُ مع النظرةِ العامةِ الواجبِ على الرئيسِ عملهَا ...),     #إنتهى_الإقتباسُ ...

#وهنَا :
جعلتْ الإدارةُ الأميركيةُ العالمَ يمرُ بنعطفٍ حادٍ جداً, لا يُمكن لأمهرِ القياداتِ السياسيةِ والعسكريةِ أن يخرجُ منهُ بسلامٍ أبداً, فالإنهيارُ العالمي سيكونُ سيدَ المَشهدِ الجديدِ بأحسنِ الأحوالِ !!!

قد أدركتْ الإداراتُ الأميركيةُ مُتأخراً, أنَّ بقاءَ العولمةَ بأيدي عدةِ دولٍ عظمى بقاءاً شكلياً إعلامياً, فلو إجتمعتْ هذهِ الدولُ برمتِهَا على أن تحلَ أبسطَ الإشكالياتِ الحاصلةَ في المنطقةِ والعالمِ لمَا إستطاعتْ, بدونِ تدخلِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ, لأنَّ هذهِ الدولَ إعتادتْ أن تتعاملَ مع عالمٍ أحادي الطرفِ والقيادةِ, وإن طغَتْ على المشهدِ الإعلامي طاولاتٌ مستديرةٌ نُصِبَتْ لغرضِ الحوارِ, ولكنَ الحقيقةَ خلافُ ذلكَ بالمرةِ, حيثُ أنَّ هذهِ الطاولاتِ وُضِعَتْ لِمضيعةِ الوقتِ لعدةِ ساعاتِ, للخروجِ بعدَهَا بقرارٍ أميركي الصياغةِ أوربي الإفصاحِ عالمي التغطيةِ !!!

وبعدَ أن إعتادَ العالمُ بعدَ الحربِ العالميةِ الأولى خصوصاً طريقةَ الإصطفافِ العالمي, فَقَدْ فَقَدَ الكثيرَ مِن القياداتِ السياسيةِ والعسكريةِ الحصيفةِ, بل إنكمشَ الى مرحلةِ الدولِ الإقليميةِ والمنكفئةِ على الداخلِ, وبهذهِ الطريقةِ فقدَتْ الدولُ العظمى الكثيرُ مِن هذهِ القياداتِ القادرةِ أن تُخططَ على مُستوى العالمِ عسكرياً وإقتصادياً وسياسياً ...

وهذا الكلامُ ينطبقُ حتى على الجانبِ الروسي أيضاً, فإنَّ الحكومةَ الروسيةَ باتتْ لا يُمكنُ لهَا أن تتعاملَ مع مشاكلٍ عالميةٍ مُنفصلةٍ لا رأسَ لهَا ولا مُحورَ, بل أنَّ المحاورَ باتتْ بعددِ المَشاكلِ الدوليةِ والعالميةِ, وهذا الضعفُ في السيطرةِ على هذا المشهدِ العالمي المُتصاعدِ جاءَ نتيجةً لإعتيادِ قياداتِهَا على التعاملِ بطريقةِ العولمةِ الأميركيةِ أيضاً ...

فإنَّ الحكومةَ الروسيةَ وأن أنكرتْ أحاديةَ القطبِ والسيطرةِ على العالمِ, ألا أنَّهَا كانتْ تؤمنُ بهِ الى حدِ الإعتقادِ بهِ, لأنَّ أغلبَ المشاكلِ العالميةِ التي توالتْ عليهَا وعملتْ عليهَا, كانتْ لا تُحَلُ إلا بالوساطةِ الأميركيةِ, لأنَّ خيوطَ المشاكلِ العالميةِ تنتهي أطرافُهَا الأخرى في تلكَ الجزيرةِ المحصنةِ مِن نهايةِ العالمِ, والتي تُعرفُ بأميركا !!!

لذا فقدتْ الدولُ المتقدمةُ والعظمى أغلبَ خبراتِهَا السياسيةِ والعسكريةِ لإدارةِ الأزماتِ العالميةِ, وإعتمدتْ جميعهَا على الإداراتِ الأميركيةِ في تسييرِ شؤنِ العالمِ بأسرهِ, وهذا مَا أبقى الأدارةُ الأميركيةُ بنفسِ القدرةِ والسيطرةِ والسطوةِ العالميةِ, بل أنَّ خبراتِهَا أزداتْ حيثُ توقفتْ الدولُ العظمى عن التفكيرِ في قيادةِ العالمِ والى هذهِ اللحظةِ مِن الكتابةِ !!!

#لذا ...
أتمنى على المتابعينَ أن لا يَنظروا الى المشهدِ السياسي العالمي والإحتقانِ العسكري على أنَّهُ مِن الأزماتِ البسيطةِ والتي ستحلُ قريباً, بل أنَّ إعتيادَ الدولُ على أميركا في القيادةِ والتفاوضِ جعلهَا إتكاليةً بامتيازٍ, وما أن تسحبَ أميركا يدِ المُساعدةِ عنهَا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً, حتى تَتْداعَ الكثيرُ مِن هذهِ الدولِ بالسقوطِ واحدةً تلو الأخرى, وأسرعُ مِن إنهيارِ التسلسلِ في قطعِ الدومينو !!!

وإنَّ ما يَمرُ بالمنطقةِ العالمِ يكونُ مِن الصعبِ عند الدولِ التفكيرِ في إعادةِ الإصطفافِ مرةً أخرى, لأنَّ عملياتِ الإصطفافِ هذهِ تحتاجُ الى عشارتِ الجولاتِ التفاوضيةِ, والى مئاتِ البنودِ الإتفاقيةِ, والى فضِ الشراكاتِ مع الإرتباطاتِ كافةً, وكلُّ هذهِ العناصرِ مجتمعَةً تحولُ دونَ التفكيرِ في إعادةِ الإصطفافِ !!!

مع إن ميزانَ القوى العالميةِ الحقيقيةِ سيبقى بيدِ الجانبِ الأميركي, فبمجردِ أن تلوحُ بطرفِ يدِهَا الى أيِّ دولةٍ مِن الدولِ المُجتمعةِ, سترجعُ إليهَا مسرعةً, وهذا سيهددُ كلَّ الإتفاقياتِ في حالةِ أن يُرادَ أبرامُهَا قريباً !!!

#وهنَا_أتوقعُ_جداً :
أنَّ أميركا تُفَكِرُ فِي إنهاءِ المُجتمعِ الدولي سياسياً ولو بشكلٍ جزئي, بحيثُ تتعاملُ مع دولِ الأعضاءِ فيهِ على أنهَا ولاياتٌ أميركيةٌ خارجُ الحدودِ الإداريةِ للدولةِ, لأنَّهَا رأتْ الفرصةَ مؤاتيةً جداً لإعلانِ ضَمِ العالمِ الأولِ الى إدارتِهَا السياسيةِ, لأنَّهَا تكونُ مغبونةً حقاً في حالِ أن أصرتْ الدولُ العظمى على معاملتِهَا على أنهَا دولةٌ عظمى فقط, وليستْ المالكَ الحقيقي والربَ الحقيقي وولي النعمةِ على سائرِ الأنظمةِ في هذا الكوكبِ !!!

وهذا الشعورُ بالغبنِ آنَّ الأوانَ لأن تُفصِحَ عنهُ هذهِ الإدارةُ الجديدةُ عملياً لا قولياً, وللعاقلِ أن يَفهمَ ويعي هذا التصرفَ, لأنَّ طرقَ الإيحاءِ بالأهدافِ ستحافظُ نوعاً ما على ماءِ الوجهِ الحكوماتِ أمامَ شعوبِهَا, فالإيحاءُ بدلاً مِن التصريحِ لضمانِ هذا الجانبِ مع ضمانِ المراوغةِ الإعلاميةِ والسياسيةِ في حالِ أن فُتِحَ هذا الملفُ على الإعلامِ علانيةً !!!

#ولا بأسَ ...
أن أشرَ الى أمرٍ مهمٍ جداً وهو :
 أنَّ سياسةَ عَقْرِ الأضاحي بلا موجبٍ, وأي أضَاحي؟  تلكَ التي تحالفتْ مُنذُ عقودٍ مع هذهِ الإداراتِ, كفيلةٌ أن تجعلَ الخصومَ في حالةِ ترقبٍ دائمٍ الى مَا ستؤولُ لهُ الأمورُ في قابلِ الأيامِ, فلا مَقدسٌ عندَ هذهِ الإدارةِ الجديدةِ أبداً, لأنَّهَا بدأتْ بالقريبِ قبلَ البعيدِ, وبالصديقِ قبلَ العدو, وليسَ لأحدٍ أن ينطقَ ببنتْ شفةٍ حتى العدو للإدارةِ الأميركيةِ الأزلي روسيا, لأنَّ نطقهَا بأي عبارةٍ سيجعلَ الرئيسَ ترامب يُغيرُ وجهةَ نظرهِ على الجانبِ الروسي, أو يُعجلُ بالتحركِ عليهَا, وهذا مَا لا يَرغبُ بهِ الجانبِ الروسي !!!

فإنَّ صعودَ ترامب الى سدةِ الحكمِ الأميركيةِ لم يُشكلْ صدمةً أوربيةً فحسب, بل شكلَ خوفاً روسياً كبيراً بعدَ ذلكَ, لأنهُ من الحقِ أن يفرحَ الجانبُ الروسي بإنهيارِ حلفِ الناتو والإتحادِ الأوربي, لأنهُ يعني أنهيارَ أكبرَ تحالفينِ عسكري وإقتصادي في العالمِ, بل الأوحدِ على الإطلاقِ, ولكن مِن دواعي الخوفِ الحقيقيةِ أن تتوافرَ مقدماتُ الفلتانِ والإنهيارِ العالمي بشكلٍ مفاجيءٍ وبغضونِ أيامٍ قلائلٍ, وهذا السيناريو الذي لَم يخطرْ على بالِ أي حصيفٍ مِن السياسيينَ العالميينَ !!!

لأنَّ الإنهيارَ الكاملَ للبُنَى الدوليةِ والأعرافِ الأمميةِ, سَيُعيدُ صياغةَ العالمِ بطريقةٍ مُختلفةٍ عمَا تعارفَ عليهِ العالمُ بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ مباشرةً, وهذا التشكلُ الجديدُ سيجعلُ الخارطةَ الجغرافيةَ والسياسيةَ والإقتصاديةَ على غيرِ مَا هي عليهِ سابقاً ...

وليسَ لأحدٍ القولَ :
 إنَّ الصطفافَ الجديدَ سيُرجعُ العالمَ بنفسِ الهرميةَ المتعارفةَ عليهَا اليومَ, لأنَّ القوى ذاتُ القوى لم تتغيرْ ولم تتبدلْ, ولا يُتوقعُ أن تنتقلَ دولٌ مِن العالمِ الثالثِ الى الصدارةِ ولا أخرى مِن الصدارةِ الى العالمِ المتخلفِ !!!

لانَّهُ يقالُ :
 إنَّ جلَّ مَا نراهُ اليومَ مِن الهرميةِ السياسيةِ والعسكريةِ كانَ نتاجَ حربِ العالميةِ الثانيةِ, حيثُ كانتْ الأحلافُ مبنيةً على أساسِ المصالحِ المُشتركةِ الآنيةِ, وليستْ على الأحلافِ مَا قبلَ الحربِ بعقدٍ أو عقدينِ مِن الزمنِ, بينمَا بعدَ أن وصلتْ القدراتُ العسكريةُ والإقتصاديةُ والسياسيةُ على مَا هي عليهِ اليوم, فليسَ مِن اللازمِ أن تنتجَ نفسَ تلكَ الهرميةَ السابقةَ بعدَ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ, لانَّ معاييرَ القوى قد تغيرَ وميزانِ السياسةِ قد أكتملتْ ملامحُهُ النهائيةُ, فلا بدَ مِن هرميةٍ جديدةٍ تقبعُ الإدارةُ الأميركيةُ في كلٍ مفصلٍ مِن مفاصلِهَا !!!

وإنَّ الهرميةَ السابقةَ كانتْ نتاجَ حروبٍ مدمرةٍ أودتْ بحياةِ عشارتِ الملايينَ مِن البشرِ, وإنَّ العقليةَ المُتفتقةَ هي ذاتُهَا تُفكرُ بذاتِ الطريقةِ لإعادةِ الإصطفافِ, فإنسحابُ الإدارةِ الأميركيةِ مِن الإتفاقياتِ الدوليةِ, سيجعلُ العالمَ يعيشُ تلكَ الأجواءَ التي سبقتْ الحربينِ العالميتينِ, ويعيدُ الى الأذهانِ تلكَ الصورُ المروعةُ مرةً أخرى !!!

#وأمَا ...
الإدارةُ الأميركيةُ فليستْ بحاجةٍ الى دولٍ إتكاليةٍ تُكلفُهَا المئاتُ مِن الملياراتِ سنوياً لغرضِ حمايتِهَا, بينمَا تُشاطرُهَا الرأيَّ والقرارَ الدوليينِ, بل أنَهَا ربَّمَا تكتفي برعايةِ بعضِ الدولِ المعنيةِ لرسمِ وتمريرِ خارطاتِهَا المستقبليةِ, بدونِ أدنى صرفيةٍ أو إنفاقٍ يُذكرُ, بل تُعيدُ الى الأذهانِ أنَّ الحروبَ لهَا جدوى إقتصاديةٌ مباشرةٌ مِن خلالِ التحالفِ والمشاركةِ العسكريةِ والسياسيةِ ...

ومِن هنَا رأينَا كيفَ إتجهَ الرئيسُ ترامب الى دولِ الخليجِ عموماً, لإشراكِهِم في قضيةِ المنطقةش العازلةِ في شمالِ سوريا, لأنَّ المنطقةَ العازلةَ تحتاجُ الى المئاتِ مِن الملياراتِ, والتي لا تُدفعُ إلا مِن الجيبِ الخليجي والتركي هذهِ المرةِ, لأنَّهُمَا المعنيانِ مِن هذهِ المنطقةِ العزلةِ في شمالِ سوريا, لا لأنَّ الإنفاقَ جاءَ على نحو المصلحةِ الخليجيةِ التركيةِ فيهَا, بل أنَّ المصلحةَ مشتركةٌ بينَ كلَّ دولِ العالمِ المُهددِ مِن الخطرِ السوري, لكن على الجانبِ الخليجي والتركي أن يُغطي نفقاتِ هذهِ المنطقةِ رغماً عن أنفهِ وبلا نقاشٍ !!!

فأميركا اليومَ بحاجةٍ الى أرصدةٍ مفتوحةٍ في البنوكِ العالميةِ, ليسَ الى معادنٍ تنتظرُ مَن يستخرجهَا أو ينقبُ عن وجودِهَا, وحقاً أنَّ هذهِ الرصدةَ لا وجودَ لهَا إلا في المناطقِ العربيةِ الخليجيةِ, حيثُ تُطيعُ الإدارةَ الأميركيةَ بدلاً مِن المجتمعِ الدولي الذي إعتادَ جولاتِ النقاشِ والتفاوضِ والأشهرِ لإستحصالِ أسهلِ القراراتِ ...

#لذا ...
ستجدُ الكثيرُ مِن الدولِ الأوربيةِ نفسهَا بعيدةً عن مُشاطرةِ القرارِ الأميركي المُتخذِ في المنطقةِ, بينمَا سوفَ نرى أنَّ الدولَ العربيةَ سَتَدخلَ المُعتركَ بنفسِهَا هذهِ المرةِ, وهنَا ستنعزلُ الكثيرُ مِن الحكوماتِ العالميةِ عسكرياً وسياسياً, بينمَا ستأخذُ الحكوماتُ العربيةُ دورهَا في ذلكَ ...

وهذهِ كلُّهَا مؤشراتٌ على المروقِ الغربي الشرقي في المنطقةِ, لأنَّهُ ليسَ مِن المعقولِ أن تقفَ الكثيرُ مِن الدولِ على التلِ وهي ترى نفسهَا خارجَ اللعبةِ السياسيةِ والعسكريةِ, بل ليسَ مِن العقلِ أن ترَ كيفَ يُنهبُ الهلالُ الخصيبُ أمامَ عينيهَا وهي بالأمسِ مَن قسمَ هذا الهلالَ الى دويلاتٍ صغيرةٍ, ولذا رجحتُ أن فرنسا هي التي ستمرقُ مِن دولِ الغربِ أو بريطانيا, واللهُ تعالى العالمُ بحقيقةِ الأمورِ وفي مستقبلِ الدهورِ, ولا قوةَ إلا باللهِ العلي العظيمِ ...

وأسألكُم الدعاءِ ...
د. مهند جاسم الحسيني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق